تركيا القريبة بالتاريخ البعيدة بالجغرافيا – الجزء 20 والاخير

عندما خرجت الأم أخبرتها أني عابر سبيل واطلب الاذن بنصب خيمتي في حديقتهم، رحبت بي واعلمتني ان زوجها سيقدم بعد قليل، نصف ساعة والتفت حولي كل العائلة وعلامات الفرح والسرور بادية على محياهم كبارا وصغارا ، وضعت دراجتي في الاسطبل، ادخلوني منزلهم وقدموا لي الشاي، كانوا حولي فرحين بي، تعرفت عليهم جميعا وقصصت عليهم قصتي، ثم تناولنا العشاء وجهزوا لي فراشا دافئا وثيرا.

منزلهم بسيط وسقف الغرف من الخشب، الغرف نظيفة ومرتبة ولا يدخلها اي شخص الا بعد نزع الحذاء فكل قاعة الغرفة مكسوة بالزرابي، هؤلاء هم الاكراد الذين نصحوني بالابتعاد عنهم اتقاء لشرهم ، نبهوني منهم ونصحوني بعدم التعامل معهم، قمت باكرا واتممت كتابة هذه الاسطر والساعة تشير الى السادسة والنصف، كان كل افراد العائلة نيام ولا يمكنني المغادرة قبل ان اودعهم واشكرهم، ساواصل طريقي رويدا رويدا نحو الحدود والتي لم يعد يفصلني عنها سوى ثمانون كيلومترا رغم أن بداية الطريق تتمثل في جبل بعلو 2900 مترا وعلي تجاوزه، قمت بترتيت فراشي واحداث حركة خفيفة في الدار حتى اوقظهم بشكل لطيف، وكما توقعت، يلدز، البنت الكبرى اول من تفطن لحركتي، قالت لي:”عمي حتروح؟”، اجبتها بنعم وأنه يجب علي مواصلة المسير، طلبت مني الجلوس لحين اعداد الافطار ثم أيقظت كل العائلة، أثناء ذلك جمعت اغراضي وأخرجت دراجتي والتقطت صورا لمنزلهم، احضرت يلدز الافطار وهو مكون من شاي وخبز محلي وجبنة أغنام من صنفين رائعين.

يشربون ماء العين وبه نكهة غريبة حامضة، لما تساءلت عن الامر أعلموني أنها خاصية تميزه وهي مسهلة للهضم،التقطت معهم صورا تذكارية وشكرتهم لحفاوتهم بي وعن كل ما فعلوه معي، فعلا هؤلاء وغيرهم من اكراد تركيا غيروا نظرتي كليا اليهم فكل ما كنا نعرفه عنهم كان تشويها اعلاميا لا غير، كانوا مثالا لرفعة الاخلاق والكرم والعطاء ولن انساهم ما حييت.

اثناء سيري اعترضتني قرية فقصدتها وجالست بعض اهاليها ومن طرائف يومي هذا عثوري على من يحمل لقبي “يعقوب” وهو صاحب المتجر، الطريق متسع وقليل الحركة وبنيته حسنة جدا، كله صعود حاد حيث دفعت دراجتي طيلة سبع كيلومترات على اقل تقدير، الطقس بارد جدا وفي حدود عشر درجات ومصحوب بالرياح، توقفت في إحدى القرى المهجورة لارتدي مزيدا من الملابس حتى اتمكن من مواصلة السير في احسن الظروف، عند كل مرتفع او هضبة او جبل او منعرج او مكان استراتيجي ترتكز نقطة مراقبة او تفتيش او ثكنة للجيش مع وجود دوريات عسكرية والات المراقبة منتشرة في كل مكان مع صوت وطنين الطائرات المسيرة في السماء لا ينقطع، يمتلك الشخص الاحساس انه في منطقة حساسة امنيا بشكل يفوق كل المناطق الكردية التي مررت منها وربما يعود ذلك للقرب من الحدود الايرانية، كاميرات المراقبة تعمل بالطاقة الشمسية وشكلها غريب فعلا، كل هذه المناطق تكسوها الثلوج بداية من شهر اكتوبر حتى آخر شهر ماي مما يجعلها مناطقا صعبة جدا وقاسية مناخا وتضاريسا. وصلت لاعلى قمة 2644 مترا وهو اعلى ارتفاع اصله بدراجتي في تركيا وفي كل رحلاتي السابقة

بعد وصولي الى المرتفع سعدت بالمنحدر عبر طريق جديد خال من الحركة وسط جبال تحتوي مشاهدا رائعة تفوق الوصف. وصلت مدينة dohubazit الساعة الواحدة بعد الزوال

هي مدينة عبور تعتمد بالاساس على الحركة التجارية بين تركيا وايران، تشبه مدينة بن قردان حتى من ناحية البنية الاساسية، تبعد على المعبر الحدودي 40 كلم . قررت من البداية المبيت بالمدينة وعدم الدخول مباشرة لايران وذالك للاستحمام وغسل ملابسي وترتيب برامجي. اعلموني بوجود مبيت خاص بمعلمي واساتذة التعليم يبيتون فيه عندما تكون لديهم دورات تكوينية او اجتماعات، سعره 30 د تونسية وبه جميع المرافق الاساسية فقصدته مباشرة، قمت بجولة في المدينة ليلا وتحدثت مع العديد من عرب تركيا و السوريين والتقطت صورا لبعض المنتوجات الفلاحية التركية. بعد المبيت بالاقامة الخاصة برجال التعليم انطلقت الساعة الثامنة، كان الطقس باردا والطريق سهلا وخال من اي استراحات او قرى او محطات بنزين، الحركة قليلة وهذا فاجأني فعلا، بدأت تظهر ملامح البوابة من خلال وقوف الشاحنات في طوابير طويلة للفحص والتثبت، دخلت البوابة من بابها الاول الخاص بالمترجلين عبر ممر بطول 800 مترا يعقبه مباشرة مقر الجمارك التركية وهو عبارة عن قاعة صغيرة ومدخل وحيد على العابر الاصطفاف امامه مع بقية العابرين وأغلبهم من التجار او عائلات محملة بامتعتها

وصلت الى العون المكلف بنا من خلال مروري بممر ضيق بالكاد اتسع لدراجتي، قدمت جواز السفر اليه وقضى وقتا طويلا للبحث عن اسمي بجهازه، سألني عن التأشيرة فاعلمته ان لدي تأشيرة الكترونية، بعدها ختم جوازي ومررت دون تفتيش عبر مسلك خاص بالمترجلين في اتجاه الجمارك الايرانية. اعترضني عون بزيه المدني وطلب مني الجواز، سألني: انت عربي؟، أجبت: نعم، نادى زميله ليدخلني هذا الاخير مكتبه، قال لي اجلس واسترح، سألني بعض الاسئلة: “اين كنت بدراجتك؟، كم يوما ستمكث في ايران؟”، رحب وطلب مني ان اتبعه مع دراجتي، ادخلني مباشرة الى مكتب ختم الجوازات دون الانتظار كبقية المسافرين وطلب من العون تسهيل الاجراءات، ادخل رقم جوازي وشاهد التاشيرة الالكترونية، فقال لي مرحبا بك في ايران وبذلك دخلت رسميا دولة ايران.

(قريبا … ايران العمق على الدراجة .. رحلتي واكتشاف الطلسم)
بقلم
سمير بن يعقوب
دراج رحالة تونسي ، اضافة الى زيارة كل المناطق التونسية عبر كل الجزائر والمغرب والاردن ومصر وتركيا وإيران.
ينشر كل نشاطه على صفحته بالفايس بوك.

كل اجزاء رحلة تركيا:
1  –  2  –  3  –  4  –  5  –  6  –  7  –  8  –  9  –  10  –  11  –  12  –  13  –  14  –  15  –  16  –  17  –  18  –  19  –  20

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.