تركيا القريبة بالتاريخ البعيدة بالجغرافيا (12)

خرجت عند الساعة السابعة سالكا الطريق الرئيسية في اتجاه Adana ،كانت بداية الطريق صعبة جدا ولمسافة ثمانية كيلومترات كنت أناضل فعلا فهذه الطريق تشق جبل ARAPLI على ارتفاع 1400 مترا

هذا الجبل يشبه سلسلة جبال الظاهر من حيث صعوبتها وتشابه تضاريسها وجفافها وحتى الغطاء النباتي مشابه ايضا.

بعد الخروج من هذا الجبل دخلت منطقة السهول الشاسعة والاراضي السقوية

كان الكل منهمك في عمله، فهنالك من يحصد محصوله وآخر يهيئ ارضه ويعتني بها لزراعتها من جديد وهنالك من يسقى الارض بمنظومة الري الالي

هنا الحركة الفلاحية نشطة جدا، توازيا مع هذا النشاط الفلاحي الكبير تواجدت انشطة تجارية كمحلات بيع الالات الفلاحية وصيانتها وكرائها، هنالك ايضا مصانعا لتحويل المنتوجات الفلاحية كالعصائر والمصبرات، تركيا دولة تهتم اهتماما كبيرا بالفلاحة وهي من اكبر مصدري الطماطم فهي تزاحم الشيلي وايطاليا. كانت لي جلسات مع الفلاحين للاطلاع على نشاطهم الذي كان آليا في أغلبه فكل فلاح لديه آلاته الخاصة بالحرث أو الزرع أو التخلص من الاعشاب الطفيلية أو لجني المحصول، فلاحة عصرية متكاملة.
كان سعيي كبيرا للوصول الى مدينة Nigde لشحن رصيد هاتفي من شركة vodafone ، وهذا مما اسستغربته في تركيا، مدينة تضم 150 الف ساكن وليس بها الا ممثل تجاري وحيد ويعمل وفق التوقيت الاداري مما يخلق مشقة وتعقيدات كبيرة لشحن رصيد الهاتف، وهذه ميزة لدينا في تونس ففي اي وقت يمكن لصاحب دكان صغير في اي قرية بسيطة شحن هاتفك في لحظات. متعت نفسي ومعدتي باكلة رائعة

بلغت قرية bahçali قبيل غروب الشمس، اقتنيت منها ما احتاجه للعشاء ثم بدأت البحث على مكان للمبيت به، مع حلول الظلام لم اجد سوى مصلى صغير قيد الانشاء بجانب مقبرة غير بعيدة عن الطريق

تناولت عشائي واديت صلاتي ثم نمت نوما عميقا مريحا، صباحا تناولت ما جادت به الطبيعة الخلابة هناك، تناولت عنبا من شجرته التي نمت بجانب المصلى.
انطلقت الساعة الثامنة صباحا نحو ADANA ، الخمسة آلاف مترا الاولى من الطريق كانت منبسطة ولكن بعد ذلك توجب علي قطع جبلين الاول جبل colzus gecidi على علو 1490م و الثانيçaycavac geçidi على ارتفاع 1600 م، ست عشرة كيلومترا من الارتفاع المتواصل و الدفع بدراجتي، جبلين متلاصقين للمرور من منطقة الى اخرى، حالة مرهقة ومحبطة جدا، كان عبورا من منطقة شبه جافة الى جبال خضراء واودية جارية

ادفع دراجتي لبعض العشرات من الكيلومترات واقتنص اي منطقة ظل لاسترد بها انفاسي, العديد من السيارات المارة تقف لتعطيني الماء و الغلال، المناخ شبه جاف، الفلاحة تعتمد على الري التكميلي باستعمال الابار السطحية، الطريق كان محاذيا لوادي صغير وعلى اطرافه اراض كلها زراعات كبرى واشجار مثمرة، هذا اليوم اعترضني ولأول مرة شخص يتكلم العربية، كان شابا يافعا ويشتغل في صنع توابيت المتوفين المصنوعة من الرخام.

بعد بلوغي اعلى ثاني قمة (1600 مترا) وبعد الارهاق الكبير الذي اصابني بعد دفع الدراجة لمسافة تفوق 16 كم وصلت لمنحدر ممتوازيا مع الطريق وبطول 30 كم تقريبا، في هذه المنطقة متعة للناظر بما حباها من اخضرار وطبيعةً خلابة وعيون جارية تذكرني بمناطق الشمال بتونس.
واصلت السير حتى وصولي قبيل المغرب مدينةPOZANTI ، في مدخلها تنتشر مطاعم فاخرة ومنتزهات أنشئت على مشارف الوادي، أثناء ذلك اعترضني شاب على دراجته الجبلية، اسمه غريب نوعا ما Alperen Güren ، اقترح علي شرب الشاي والحديث أكثر في مطعم عمه، جلسنا لمدة نصف ساعة حيث شرحت له أهداف رحلتي واجبته على أسئلته الخاصة بتونس وجربة .

Alperen شاب في عمر خمس وعشرين سنة تقريبا، نفس عمر ابني حكيم، يدرس في الجامعة و يقطن هو وعائلته في Pozanti لكن أصوله من مدينة Mardin ، لما علم انها في مساري عرض على استضافتي عنده عند المرور بها، كان شابا لطيفا ومهذبا جدا، نصحني أيضا بخصوص الطريق واعلمني أن طريقي صعب وكله مرتفعات وخصوصا في التسعين كيلومترا الاولى وعلي الاستعداد جيدا، لكن بعد ذلك سيكون طريقي نزولا في اغلبه .
ودعته وغادرت مدينة Pozanti وبعد قطع مسافة عشرة كيلومترات عبر طريق جبلي صعب ومع حلول الظلام اعترضني اول منتزه، استأذنت من صاحبه للتخييم والمبيت فوافق مسرورا بل اصطحبني في جولة بمنتزهه وعرفني بكل مرافقه وقال لي نم اينما تريد وارسل لي الشاي بعد ذلك،

في هذا اليوم قابلني اكبر كرنب اشاهده فلم يخطر ببالي انه يكبر بهذا الشكل

دكاكينهم ليست مثلنا فهم يبيعون زجاجات الخمر بشكل عادي مع زجاجات العصير والمشروبات الاخرى.

في تونس وفي اي مطعم، قبل تقديم الوجبة الرئيسية يقدمون لك صحنا صغيرا به زيت وآخر به “هريسة” وزيتونا وخبزا لتبدأ الاكل لحين اعداد الوجبة المطلوبة، هنا يقدمون البصل والفلفل والبقدونس وعندما سألت عن ذلك أجابني النادل طالبا مني تجربة أكل ذلك مع الخبز. كلمة “قازوز” الدارجة عندنا هي ايضا ضمن لغتهم الام وقد يكون أصل كلمتنا من هنا او من خلال كلمة غاز والتي توصف بها كل المشروبات الغازية.

معلومة مختصرة على الهامش
يرجع أصل كلمة قازوز [gazūz] إلى الفرنسية gazeuse بمعنى غازية نسبة للمياه الغازية (Eau gazeuse) والتي اشتهر تصنيعها في نهاية القرن الثامن عشر لتتطور تدريجيا وتأخذ دور المشروبات الغازية الحديثة (Boissons gazeuses) استعملت كذلك لفظة غزوز/غازوز في اللغة العثمانية، بالتركية الحديثة gazoz وهذا الاستعمال العثماني إن كان سابقا للنفوذ الفرنسي المباشر فإنه سيكون الأصل الوسيط لدخول هذه الكلمة الفرنسية إلى اللهجات المغاربية. كلمة ڨازوزا gasosa شائعة أيضا في جنوب أوروبا ونجدها في لغات إيطالية وإسبانية وبرتغالية وغيرها.

يتبع …
بقلم
سمير بن يعقوب
دراج رحالة تونسي ، اضافة الى زيارة كل المناطق التونسية عبر كل الجزائر والمغرب والاردن ومصر وتركيا وإيران.
ينشر كل نشاطه على صفحته بالفايس بوك.

كل اجزاء رحلة تركيا:
1  –  2  –  3  –  4  –  5  –  6  –  7  –  8  –  9  –  10  –  11  –  12  –  13  –  14  –  15  –  16  –  17  –  18  –  19  –  20

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.