تركيا القريبة بالتاريخ البعيدة بالجغرافيا (3)

عندما استيقظت صباحا كان الضباب يلف المكان كليا وخيمتي مبتلة بفعل الندى مما دفعني لتركها تجف ببطء واستغللت ذلك الوقت لتناول افطاري المهدى الي من طرف أحد الاهالي والذي دفعه الفضول لسؤالي عن رحلتي ولكن عائق اللغة اتعبه واتعبني فهم في اغلبهم لا يتكلمون الا التركية.

هدفي التالي كان مدينة GEREDE والتي وصلتها بصعوبة كبيرة فهي على مسافة 15 كم وبعلو يصل الى 1320 م مما اجبرني على دفع دراجتي لمسافات طويلة واصبح الغطاء النباتي يتغير تدريجيا فقد بدأت تظهر امامي السهول بما تحتويه من حقول قمح وذرة. اعترضني بعد مدينة  GEREDE بـــ 30 كم مفترق طرق، يمينا يوصل للعاصمة انقرة على بعد 140 كم وعبر طريق سهل تغلب عليه المنحدرات ويسارا طريقا جبليا صعبا يؤدي الى البحر الاسود فسلكت هذا الطريق لغاية في نفسي. بعد مسيرة 40 كم وصلت مدينة ISTEMPAZA حيث استرحت وتناولت غدائي في احدى محطات البنزين وهذا الغداء الرائع المتكون من أرز و لحم خروف مقلي وشربة عدس والذي كان بنكهة ممتازة  كلفني قرابة 25 دينارا تونسيا.

واصلت السير نحو مدينة Karabuk عبر طريق تغلب عليه المنحدرات فهي تقع على ارتفاع 278 مترا، مدينة KARABUK  مدينة صناعية تشبه مدينة قابس بتونس وتعد مليوني ساكن، وصلتها قبيل الغروب بقليل، فوجئت  بكمية الغازات والروائح المنبعثة من مصانع الكيميائيات والصلب والحديد والتي تصب فضلاتها و اوساخها في وادي محاذي للمنطقة الصناعية الممتدة على عديد الكيلومترات

الجميع يتفق على جمالية ونظافة اسطنبول و بورصا و انتاكيا، هي مدن سياحية وبلدياتها لها الامكانيات للحفاظ عليها  لكن وما ان يخرج الشخص من هذه المدن ويدخل العمق التركي حتى يفاجأ بالمشهد  فهو لا يختلف بتاتا عن مختلف المدن العربية التي زرتها حيث الفضلات منتشرة بكثرة والحفر تملأ الطرقات والانارة العمومية تالفة لضعف الصيانة مع كثرة الانتصاب الفوضوي. لم يرق لي الاقامة بمدينة KARABUK لتلوثها وروائحها الكريهة لكن حلول الليل اجبرني على المبيت قرب اول محطة بنزين اعترضتني، لا يوجد على جوانب الطرقات بتركيا علامات تعرف بمقدار المسافة المتبقية للوصول او تعرف الزائر بما يحتاجه فكلها علامات مجهولة كليا ولا يعرفها الا اهل البلاد.

لاحظت قدرة الاتراك على الابتكارات البسيطة فحتى بائع الحمص يبدع فهذا مثلا بائع يبيع منتوجه بشكل متطور

من الاشياء الطريفة التي عرفتها اصل كلمة كفتاجي، الاكلة الشعبية المشهورة لدينا في تونس.

كما اعجبتني هذه المعدة للمياه المستعملة رغم عدم تأكدي من ذلك ولكن استنتجت ذلك لوجودها في حي سكني

صباحا كانت سرعتي كبيرة استعدادا للخروج من  KARABUK فهذه المدينة الصناعية ذات الــ 150 الف ساكن ملوثة بشكل كبير ووجهتي كما ذكرت سابقا تتجه شمالا نحو البحر الاسود مرورا بــ kadibuku  و  kayabokagi اسماء قرى و مدن من الصعب نطقها  او تذكرها، الطريق مازال جبليا وصعبا، تارة ادفع دراجتي لكيلومترات عديدة وطورا اجد نفسي في منحدر بنفس المسافة او اكثر،  الطقس حار جدا.
تتميز القرى المحاذية للطريق باحتوائها كلها على حدائق عائلية مصحوبة بتربية الاغنام والبقر مع وجود مصانع صغيرة للرخام.
طيلة الطريق كنت أدعى دائما لشرب الشاي او تناول الكفتة والمرطبات والغلال، لاحظت أيضا انه وعند كل مقبرة واغلبها مجانبة للطريق  توجد حنفية ماء ومسجد صغير او مصلى مع مساحة مهيأة بكراسي وطاولات في مكان ظليل لاستقبال الزوار سواء عند عملية الدفن او اثناء زيارة اهل الميت وهي مناسبة للغداء واستدعاء كل مار أو عابر سبيل وسعدت بأن كنت ضمنهم فتراهم يشيرون اليك بايديهم للقدوم و اكل ماتيسر وتوفر وفق عادات اسلامية حميدة صدقة على روح الميت.

الان بات هدفي الوصول الى مدينة Araç وتنطق اراش، الطريق وعرة ولن استطيع التقدم اكثر من ذالك لتجاوزها.

شدني تصميم مسجد الزعفران فهو في منطقة تشتهر بمنتوج الزعفران، القبة والصومعة مصنوعتان من الحديد

يتبع …
بقلم
سمير بن يعقوب
دراج رحالة تونسي ، اضافة الى زيارة كل المناطق التونسية عبر كل الجزائر والمغرب والاردن ومصر وتركيا وإيران.
ينشر كل نشاطه على صفحته بالفايس بوك.

كل اجزاء رحلة تركيا:
1  –  2  –  3  –  4  –  5  –  6  –  7  –  8  –  9  –  10  –  11  –  12  –  13  –  14  –  15  –  16  –  17  –  18  –  19  –  20

 

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.