تركيا القريبة بالتاريخ البعيدة بالجغرافيا (5)

جمعت أمتعتي وغادرت كوخي في “تونس لار” وانطلقت في اتجاه الجنوب والعاصمة انقرة، غادرت دون ان يتسنى لي توديع مضيفي السيد مصطفى فتركت له رسالة شكر، كان الضباب كثيفا والطقس باردا وكنت ارتدي لباسا صيفيا، سلكت نفس الطريق الذي اتيت منه اي عبر قرية Arabacilar وفي مستوى مدينة DADAR نصحوني باخذ طريق اخر مختصرا، استحسنت الفكرةً وقلت لاشاهد طريقا آخر ، كان الطريق يشق غابة على طول 25 كم نصفه يمثل صعودا حادا والغابة عذراء لا تحتوي مساكنا ولا قرى والحركة عبرها ضعيفة جدا وشبه منعدمة، كان دفعي للدراجة مرهقا لكن جمالية المكان وتعودي بمثل هذه التضاريس جعلني متقبلا لمثل هذا الامر

السيارة الوحيدة والتي مرت بجانبي توقفت لينزل صاحبها ويكلمني بالفرنسية، فرحت لأني وجدت من سأتواصل معه بغير لغة الاشارات، قدموا لي الماء والخبز والغلال ونصحوني بعدم التخييم بهذا المكان وعلي الاسراع  للوصول الي اراش ARAÇ قبل حلول الظلام.
كانت عيون الماء في كل مكان والسناجب تقفز من شجرة الى أخرى مع وجود عصافير تزقزق باصوات مختلفة، انهكني التعب فاستلقيت على العشب طلبا للراحة، لم أفق الا بعد ساعة فقد كان الهواء نقيا والهدوء تاما والطبيعة خلابة فمن يستطيع مغالبة النوم

افقت مسرعا لانهي العشر كيلومترات المتبقية ومن حسن حظي فقد كانت كلها منحدرات مما ساعدني لاسير بسرعة كبيرة. وصلت اراش قبيل المغرب ودخلت أول مطعم اعترضني، تناولت ما لذ وطاب من المشويات والمقبلات فقد كان الطعام التركي يعجبني. استشرت صاحب محطة بنزين لنصب خيمتي في حديقته فقبل مسرورا بعد أن علم اني دراج رحالة ومن تونس.  نصبت الخيمة وكتبت مذكراتي وتدوينات المعتادة

في الليل اتصلت بي عائلتي بتونس لتعلمني أن الحالة الصحية لوالدي البالغ 96 سنة تعكرت ووضع تحت العناية المركزة وعلي القدوم فورا، وقتها كنت قد قطعت مسافة هامة من رحلتي ولكن آن لها التوقف مؤقتا.

صباحا قمت بمساعدة صديق مشكورا بحجز تذكرة العودة وعدت بالحافلة من اراش الى اسطنبول لامتطي الطائرة ليلا من اجل الوصول الى مدينة جربة صباحا، تركت دراجتي في محطة البنزين على امل العودة الى تركيا لتكملة الرحلة من حيث توقفت ان شاء الله.
(و عاد سمير الى تونس وبقى صحبة والده اياما قليلة، لكن ارادة الله قدرت أن يتوفي الوالد، ربي يرحمه برحمته ويجعل الجنة مثواه. بعد مدة عاد الى تركيا ليواصل رحلة التحدي)

رحلة العودة الى تركيا تطلبت مني تقريبا 24 ساعة بين التنقل بالسيارة والطائرة والحافلة الى آراش Araç  والتي وصلتها في حدود الساعة السادسة صباحا منهكا لقلة النوم، استلمت دراجتي من صاحب محطة البنزين وشكرته هو وكافة العاملين معه، تناولت الافطار معهم وانطلقت في حدود الساعة السابعة والنصف سالكا نفس الطريق الذي عدت من خلاله الى “تونس لار” اين ساصل الى المدينة الملوثة Karabuk ،

الطريق جبلي وملتوي وكثيف الحركة واغلبه منحدرات فمدينة Karabuk  تقع على ارتفاع 278 مترا ومدينة اراش تقع على ارتفاع 1200 مترا، السماء مغيمة والطقس بارد ولم يدم الحال طويلا ليبدأ نزول المطر غزيرا، اصبحت الحركة قليلة في الشارع فالكل ماكث في بيته الا أنا بقيت أناضل بدراجتي فوق الطريق الصعب.

المطاعم المفتوحة كانت قليلة، دخلت احدها وطلبت kymali pide وهي عبارة عن “بيتزا باللحم المفروم” لذيذة وسعرها تقريبا في حدود 10 د تونسية.

بحكم العوامل المناخية الصعبة بين امطار ورياح فضلت اللجوء الى مسجد للمبيت عوض التخييم في الخلاء، كان المسجد بقرية حمزة لار Hamzalar من مقاطعة Karabuk ، كنت استعمل الترجمة الفورية بجوجل وهي مفيدة جدا وناجعة.

بعد طلب الاذن رحب بي بشدة للمبيت باحد المساجد

واكرمني الامام Dursun Ozdemir بالاكل والفراش والغطاء وكل ما احتاجه، كان الامام بشوشا وخدوما وطيبا جدا مثل كل الاتراك الذين تعاملت معهم،

يتبع …
بقلم
سمير بن يعقوب
دراج رحالة تونسي ، اضافة الى زيارة كل المناطق التونسية عبر كل الجزائر والمغرب والاردن ومصر وتركيا وإيران.
ينشر كل نشاطه على صفحته بالفايس بوك.

كل اجزاء رحلة تركيا:
1  –  2  –  3  –  4  –  5  –  6  –  7  –  8  –  9  –  10  –  11  –  12  –  13  –  14  –  15  –  16  –  17  –  18  –  19  –  20

 

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.