تركيا القريبة بالتاريخ البعيدة بالجغرافيا (7)

الناس في تركيا عموما لطفاء جدا وعند وصولي لأي مكان يأتي الكل لمساعدتي وعرض خدماتهم التطوعية، قرابة اسبوعين هنا لم اشاهد شخصين يتشاجران او يتكلمان بصوت مرتفع، الكل هادئ ومبتسم والكل يعمل و يكد، لا وجود لمقاهي مكتضة لتمضية الوقت واي تمضية للوقت هنا هو ترفيه عن النفس صحبة العائلة حيث يوجد بجانب كل مقهى فضاء للاطفال، كل محطات البنزين تحتوي بيوت راحة ممتازة ومصلى صغير واستغل هذه المحطات لمبيت امن ومرفه، بيوت الراحة راقية جدا ولم اشاهد مثلها حتى في النزل الفاخرة عندنا.

حتى المرحاض الي كليا

اقوم كل صباح دون منبه، فبعد نصف شهر من التجوال في تركيا عُدِّلَتْ ساعتي البيولوجية على وقع رحلتي، لم اكن في عجلة من امري فجمعت ادباشي على مهل وتناولت افطاري في المقهى مع الحديث مع العاملين به، الحليب غير متوفر في كثير من المحلات فالشعب التركي لا يستهلكه بكثرة مثلنا.

اطلقت الساعة الثامنة وكانت وجهتي انقرة العاصمة السياسية للبلاد والتي لا مفر من المرور عبرها لاكمل رحلتي نحو الجنوب التركي، الطريق اليها لا يختلف كثيرا عن سابقيه، صعود خفيف مع بعض المنحدرات، بعد قطع 10 كم تعطلت عجلة دراجتي الخلفية بسبب ما تخلفه الشاحنات وما ترميه من زجاج ومسامير على جانب الطريق، توقفت لاصلاح العجلة والحمد لله كان لدي كل المعدات الضرورية لمثل هذه الحالات، تطلب مني الامر قرابة نصف ساعة بين اصلاح ثقب العجلة وارجاعها لمكانها.

وصلت انقرة وتجولت في اطرافها و في احيائها السكنية، أكثر ما شدني النظام وجمالية البناءات وخصوصا المساحات الخضراء فهي منتشرة في كل مكان، مهيأة ومجهزة ومصانة كانها دشنت منذ اسابيع، اشتربت الغداء لاتناوله في احدى هذه المساحات وكان الامر كما خططت، كان غدائي متكونا من خبز وجبن وبعض “الهريسة” التونسية التي تصاحبني دائما، الجبن التركي لذيذ جدا لكن التونة ليست كما لدينا في تونس فهي باهضة الثمن وطعمها ليس جيدا كالتونسية.

عندما انتهيت عرفت اني دخلت فضاءا عائليا خاصا وليس عموميا، لم يطل بحثي كثيرا فالفضاءات في انقرة منتشرة في كل مكان، دخلت احدها واستلقيت تحت ظل شجرة لاستريح ساعة واحدة فاخذني النوم لمدة اربع ساعات ولم افق الا بعد ان أحرقتني اشعة الشمس عند الخامسة مساء.

اسرعت بجمع اغراضي و كان همي الوحيد الخروج من المدينة رغم تأخر الوقت.

انقرة مدينة حديثة العهد، اختارها مصطفى كمال اتاتورك  لتكون العاصمة السياسية وكان ذالك في 1919 وتعد حاليا 25 مليون ساكن على مساحة تقدر بــ 25 الف كم مربع .

جانب اخر من ضواحي انقرة

ضمن ما لاحظته حاويات الفضلات تحت الارض وهي مستعملة بكثرة

الخروج من المدينة ليس سهلا فعلي اخذ طريق حزامي طويل للالتفاف دون الدخول الى وسطها لتلافي زحمة المرور، بدأ الظلام يحل ولازلت في اطراف انقرة الجنوبية فهي مدينة مترامية الاطراف باحيائها وعماراتها الجديدة، لم يعترضني اي مسجد او محطة وقود وعندما سألت عرفت أن أقربها تقع على بعد 25 كم ففضلت نصب خيمتي بجانب الطريق تحت الاشجار وبعيدا عن الانظار.

تناولت ما تبقى من وجبة الغداء ونمت في انتظار مغامرة الغد، ليلتي كانت ليلة صاخبة فمنامي كان بجانب طريق المخرج الجنوبي للعاصمة انقرة المكتظ بالحركة، افطاري الصباحي كان بسيطا، كان افطارا تونسيا تقليديا: بسيسة، حليب، خبز، عسل.

انطلقت وفي داخلي عزم على الوصول أو تجاوز الألف كم كمسافة جملية، أول الطريق كان في أغلبه مرتفعات فانا لازلت في حزام انقرة حيث تظهر من حين لآخر الاحياء الجديدة المترامية الاطراف بعماراتها الشاهقة، وجهتي كانت مدينة SARAY جنوبا والتي تبعد 240 كم عن أنقرة، بدأت السهول تظهر امامي والتي تم جمع محاصيلها

كانت بقايا المحاصيل وجبة دسمة لقطعان الاغنام والتي تملأ اماكن الحصاد

القرى كثيرة ومتناثرة على جانبي الطريق.

الحنفيات العمومية على جانبي الطريق موجودة ولكن اقل مما سبق وهي جيدة للمسافر في هذا المناخ الحار.

على جانبي الطريق يوجد عدد كبير من محطات البنزين والمطاعم للاستراحة وشرب الشاي والماء واحيانا تناول الغداء.
كل طرق تركيا ممتازة لدرجة اني اخطأت ولم اكن اعلم اني اسير على طريق سيارة الا عندما اوقفتني دورية أمنية وطلبت مني الخروج مع اول وصلة لطريق فرعي، الطريف ان الدورية لازمتني وانا اقود بسرعة 10/15 كم، تسير خلفي مرة وأمامي مرة مع تشغيل المنبه والاضواء وحتى عندما اردت الاستراحة طلبوا مني عدم التوقف وعلي الالتزام بالقانون والا سأنال مخالفة في المرة القادمة وأشار العون الي باشارة ثلاثة باصابعه ولم اعرف هل يقصد ثلاث ليرات او ثلاثون ليرة او ثلاث مائة ليرة ومما اثار دهشتي انهم نادوني باسمي SAMIR دون ان اعطيهم هويتي.
توقفت في احدى محطات الوقود للغداء والصلاة عند الساعة الخامسة وعندما انخفضت الحرارة قليلا واصلت المسير، وجدت المحطة مزودة بمكتبة وهذه من الاشياء اللطيفة جدا في تركيا.

في المساجد توجد دائما علامة الارشاد الى القبلة.

واصلت طريقي وعند بلوغي أول استراحة توقفت فاذا بها فضاء ترفيهي كامل بمحلاته التجارية ومطاعمة مع نزل صغير.

نصبت خيمتي في حديقته الواسعة تحت شجرة ظليلة وسط فضول بعض العائلات غمروني كالعادة بأسئلتهم لمعرفة كل كبيرة وصغيرة عن رحلتي، الشعب التركي مضياف ولطيف جدا ويبادرك بالحديث ليغدقك بكرمه بعد ذلك

يتبع …
بقلم
سمير بن يعقوب
دراج رحالة تونسي ، اضافة الى زيارة كل المناطق التونسية عبر كل الجزائر والمغرب والاردن ومصر وتركيا وإيران.
ينشر كل نشاطه على صفحته بالفايس بوك.

كل اجزاء رحلة تركيا:
1  –  2  –  3  –  4  –  5  –  6  –  7  –  8  –  9  –  10  –  11  –  12  –  13  –  14  –  15  –  16  –  17  –  18  –  19  –  20

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.