تركيا القريبة بالتاريخ البعيدة بالجغرافيا (1)

يوميات رحلة عبرت تركيا بالدراجة لاكتشاف العمق التركي – بداية الرحلة 18 جويلية 2022

وصلت الى المطار عند الساعة الثانية والنصف صباحا حيث تمت عملية التسجيل بسلاسة، دفعت معلوم شحن  الدراجة ( 100د ) وانطلقت الطائرة في اتجاه اسطمبول في وقتها المحدد الخامسة والنصف صباحا لتصل بعد ساعتين و نصف اي في حدود 10:30 بتوقيت تركيا، قمت بعملية تغيير العملة من اليورو الى الليرة التركية (اليورو الواحد يعادل 17 ليرة تقريبا)، اقتنيت شريحة هاتف بـ 650 ليرة تركية بما يعادل 40 يورو تقريبا.
قمت باعادة تركيب دراجتي وانطلقت أتجول داخل المطار الشاسع ابحث عن باب الخروج مع تشجيع بعض التونسيين الذين شاهدوا العلم التونسي يرفرف خلف الدراجة.

الطقس كان باردا قليلا وفي حدود 24 درجة. للوصول الي اسطمبول كان علي قطع 40 كم  باتباع طريق سريع تغلب عليه المنحدرات والمرتفعات مع اتجاه واحد للسير ولكني كنت مجبرا على قطعه.

ولانني كنت أسير بشكل خاطئ فقد اوقفتي دورية شرطة لتعلمني ان السير ممنوع في هذا الاتجاه وعلي الخروج سريعا من الطريق في اول فرصة، لفت نظري مجسم لشرطي مرور مع سيارته لدفع مستعملي الطريق لتخفيض السرعة وتساءلت هل يمكن ان تنجح هذه الطريقة في بلدي.

كان الطريق خاليا من اي متجر أو دكان كبيرا كان او صغيرا حتى احسست فعلا بالجوع والعطش وحمدت الله بوصولي اسطنبول عند الساعة الواحدة ودخلت اول مطعم اعترضني لاسكت جوعي وعطشي الشديدين. كان العشاء أرز بالشورمة و اللبن لانطلق بعد ذلك في البحث عن اقامة رخيصة لارتاح قليلا استعدادا لبداية الرحلة الفعلية من الغد

 

قضيت ليلتي الاولى في نزل متواضع لاخذ قسط من الراحة، استيقظت باكرا وانطلقت في جولة صباحية عبر الاحياء القديمة وبحثت عن مطعم شعبي او مقهى يقدم افطارا صباحيا وتناولت ما تيسر وكان متكونا من شاي تركي خفيف مع قطعتين من المرطبات ثم سرت لتكون الوجهة عبور الضفة الاخرى من مدينة اسطنبول من شقها الاوروبي الى شقها الاسيوي والذي يفصلهما مضيق البوسفور بين البحر الاسود والبحر الابيض المتوسط.

تفوق مساحة المدينة 5000 كم مربعا وتضم خمس سكان تركيا حيث يسكنها قرابة 15 مليون ساكن و بها 25 مقاطعة، وجدت صعوبة كبيرة للخروج من المدينة والعبور الى الضفة الاخرى لتشعب محولاتها وطرقها وانفاقها رغم استعمالي تطبيقة  MapsMe  والتي زادت الطين بلة في بعض الاحيان مما اجبرني على الاستنجاد بدورية شرطة اعترضتني فارشدوني ورافقوني بضع كيلومترات حتى وجدت الطريق المنشود، في مدخل احد الجسور المعلقة التي تفصل المدينة بمضيق البوسفور تم منعي من قبل الشرطة للعبور ولكنهم ساعدوني بايقاف حافلة نقلتني ودراجتي وعبرت بي الجسر، تتميز المدينة بحركة مرورية رهيبة مما يدعو لاخذ كل الحيطة والحذر واصبح هدفي الخروج منها والابتعاد عن زحمة السير ومعانقة القرى والطبيعة وهذا تطلب مني قطع 110 كم كاملة،
وجدت في مدينة اسطنبول احتراما مدهشا للحيوانات وخصوصا القطط والكلاب حيث وضعت مشارب فنية لها ويوفر غذائها في الشارع بكل احترام

 

بعد نصيحة من الشرطة خرجت من الطريق الرئيسي لاسير في طريق فرعي محاذيا لبحر مرمرة حتى وصلت مشارف مدينة اسمها HEREKE حيث نصبت خيمتي قرب بعض الاشجار لقضاء ليلتي هناك بعد قطعي لمسافة 152 كم، مدينة Hereke عبارة عن ميناء شحن للتصدير والتوريد لجميع السلع وخصوصا الخشب و مواد الانشاء.
صباحا وعلى الساعة الثامنة انطلقت متبعا الطريق الرئيسي المتجه الى العاصمة انقرة، كالعادة كان الطريق مكتضا خصوصا بالشاحنات الثقيلة المتجهة الى الموانئ على طول بحر مرمرة، أنعشني الطقس الذي كان ربيعيا يساعد على الترحال، مررت بمدن  koseli  و kartepe , sakarya , الى ان وصلت مدينة handek مع غروب الشمس، لاحظت أن الحركة المكتظة للسير انخفضت كثيرا عند الاقتراب من Hedek ، كانت محلات بيع غلال الموسم  منتشرة على طول الطريق وتتميز بالكثير من الجمالية والنظام، تناولت الغداء في مطعم منتصب على الطريق، قدموا لي قائمة الطعام فكانت كلها الكترونية تحيلك الى موقع المطعم لتختار بضغطة زر ما تشتهي، تكلفة الاكل مقاربة جدا لتكلفتها في تونس فطبق متكامل يكلف 100 ليرة اي 20 د تونسية.
وجدت تركيا قوة اقتصادية رهيبة وشعبها يقدس العمل مع رغبة شديدة للنهوض بالبلد وعلى طول الطريق اعترضتي مصانع للشاحنات والسيارات ومصانع رخام، اعترضتني كثيرا شاحنات كبيرة محملة بسيارات رينو معدة للتصدير.

شاهدت بيوتا كاملة للبيع فقمت بالتقاط صور لبعضها مع دراجتي

واصلت طريقي وكانت امنيتي الصلاة والمبيت بأحد المساجد على الطريق وأمكني ذلك على مشارف مدينة Hendek مع اذان المغرب، دخلت احد المساجد فرحب بي الاطار المشرف عليه، قدموا لي العشاء وسمحوا لي بالمبيت داخله  مشكورين، تركيا مثل مصر في مسألة الآذان فاعلانه يكون آليا ويرفع بكل المدينة في نفس الوقت وبنفس صوت المؤذن.

هوامش:

البوسفور أو مضيق إسطنبول: مضيق يصل بين البحر الأسود وبحر مرمرة ويمثل مع مضيق الدردنيل الحدود الجنوبية بين قارتي آسيا وأروبا، يبلغ طوله 30 كم، يتراوح عرضه بين 550 مترا و3000 م ، حركة السفن بالمضيق تمثل واحدة من أهم نقاط الملاحة البحرية في العالم، يقطع المضيق جسر البوسفور وجسر السلطان محمد الفاتح وجسر السلطان سليم الأول أو جسر إسطنبول الثالث.

تمثال ثور كاديكوي في اسطنبول: يعتبر من  رموز الجانب الأسيوي من اسطنبول، يقع في منتصف تقاطع يربط بين ستة طرق ويعتبر  أحد أكثر أماكن الاجتماعات ازدحامًا في إسطنبول، صُنع التمثال البرونزي من قبل النحات الفرنسي الشهير إيسيدور بونور في عام 1864 وشُيِّد في ميدان في إقليم الألزاس- لورين الفرنسي احتفالا بالنصر الفرنسي على الألمان ولكن بعد سنوات احتل الألمان أراضي الألزاس لورين في أوائل سبعينيات القرن التاسع عشر وتم نقل التمثال إلى عاصمة الإمبراطورية الألمانية، خلال الحرب العالمية الأولى كانت الإمبراطورية الألمانية والإمبراطورية العثمانية حلفاء فاهدى قيصر المانيا الثور الى الجنرال العثماني إنفر باشا سنة 1917.
وضع الثور في قصر يلديز لكن بعد خسارة الحرب عام 1918 فر إنفر باشا ووقع التخلي عن التمثال، سنة 1955 نقل تمثال الثور الى ساحة فناء Istanbul Hilton Hotel الذي كان أول فندق حديث من فئة الخمس نجوم  وبقي هناك 15 عاما، في عام 1970 احضر الثور إلى كاديكوي وزين مبنى البلدية لمدة عقدين، في سنة 1990  وضع الثور في تقاطع Altıyol ،  وحاليًا يعد  أحد أكثر الأماكن شعبية في كاديكوي.

بحر مرمرة: والمعروف أيضاً باسم بحر مرمورة، بحر داخلي يقع بالكامل داخل الحدود التركية ويربط البحر الأسود ببحر إيجه وبالتالي يفصل بين أراضي تركيا الآسيوية والأوروبية، يتصل بالبحر الأسود عبر مضيق البوسفور وببحر إيجه عبر مضيق الدردنيل، بحر مرمرة بحر صغير تبلغ مساحته 11.350 كم مربع .

يتبع …
بقلم
سمير بن يعقوب دراج رحالة تونسي ، اضافة الى زيارة كل المناطق التونسية عبر كل الجزائر والمغرب والاردن ومصر وتركيا وإيران. ينشر كل نشاطه على صفحته بالفايس بوك.

كل اجزاء رحلة تركيا:
1  –  2  –  3  –  4  –  5  –  6  –  7  –  8  –  9  –  10  –  11  –  12  –  13  –  14  –  15  –  16  –  17  –  18  –  19  –  20

 

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.