تركيا القريبة بالتاريخ البعيدة بالجغرافيا (17)

دخلت المدينة صباحا وسعيت لمعرفتها بشكل جيد فهي مركز محافظة تعد 250 الف ساكن، شهدت نموا سريعا بفضل الاكتشافات النفطية الاخيرة كما يعتمد اقتصادها على الفلاحة وصناعاتها التحويلية من زيوت وقطن وغيرها، يمثل الاكراد نسبة كبيرة من سكانها، طقسها بارد شتاء حيث تتهاطل الثلوج وحارا صيفا حيث تصل درجة الحرارة الى أربعين. حالما خرجت من المدينة اعترضني جبل علوه 850 مترا ويمتد على طول 12 كلم وعلي اختراقه لبلوغ الجانب الاخر مما يعني أن سيري سيكون في الاغلب دفعا للدراجة ومع ارتفاع الحرارة سيكون ذلك متعبا جدا.

كان الطريق فعلا كما توقعت واغلبه دفعا للدراجة، المشهد على طول الطريق كان سهولا صفراء بعد ان حصد الفلاحون محاصيلهم، الشاحنات تنقل الحبوب الى مراكز الخزن أو شركات التحويل وكل يوم اتاكد ان قوة تركيا تتركز في فلاحتها العصرية الآلية والمتطورة مع ما يوفره نهر الفرات من ماء يعتبر منبعا هاما للحياة، هذه الفلاحة نشطت الاقتصاد وخلقت مهنا مرتبطة بها، فالكل هنا يشتغل في الفلاحة على مدار السنة.
من حين لآخر أتوقف في بعض القرى المحاذية للطريق لاقتناء ما يلزمني ولتبادل الحديث مع الاهالي وما أقلقني توقف هاتفي عن العمل نتيجة الحرارة ومنعني من التقاط بعض المشاهد، اللغة الكردية هي الطاغية وجوجل للترجمة لا يتعامل معها مما جعلني اجد صعوبة في التواصل مع الشباب غير المتمدرس ومع كبار السن فهم لا يفهمون الا الكردية، مررت بعدة مدن صغيرة kostsrla و bashri و yuneskar اي “قرية يونس”. كالعادة، بين الظهر و العصر وعند اشتداد الحرارة أتوقف حذو احد المساجد لاخذ نصيبا من الراحة

عند غروب الشمس وصلت الي قرية senkoy ، بحثت عن محطة بنزين لانام داخلها وعندما وجدتها واستأذنب من اصحابها سمحوا لي بذلك ونصحوني باستغلال مسجد المحطة مع اغلاق الباب فهم يعتمدون على الكلاب في الحراسة، وفعلا نمت في بيت الصلاة ممصحوبا باصوات النباح المستمر.
من قرية Senkoy انطلقت الساعة السابعة الا ربع دون تناول الافطار فلم تدب الحركة في القرية بعد، وككل مرة تستقبلني الجبال وترحب بي على طريقتها من خلال عديد الكيلومترات صعودا حتى وصلت قرية kurtalan ، استوقفني مشهد شد انتباهي متمثلا في سلخ خروف على جانب الطريق وسط تجمهر الاطفال والرجال مع الحاجة هادية ام الجميع، ظننت الامر حفل زفاف ووجدتها فرصة لحضور عرس كردي.

رحب بي الجميع ببشاشة الاكراد المعهودة، قدموا لي الخبز وجبن الماعز والشاي وعندما سألت عن المناسبة قالوا لي “مريض، مريض…”، دعوني لانتظار الغداء لكني اعتذرت فالطريق مازالت طويلة، واصلت طريقي لتقابلني رقية، امرأة تعد الفرن من اجل اعداد الخبز، استأذنت منها للحديث والتقاط الصور فرحبت بذلك بكل بشاشة

قدم الزوج والابناء وطلبوا مني الانتظار وتناول الغداء معهم لكني اعتذرت مرة اخرى وواصلت طريقي. اغلب هذه المناطق مناطق فقيرة ولكن السكان كرماء وطيبون جدا .

لكن ورغم فقر المنطقة فقد كان الاهتمام بالتعليم كبيرا وهذا مثال على ذلك، شاهد صورة المدرسة الابتدائية.

مع منتصف النهار تناولت غدائي المكون من خبز مع جبن الماعز المعد بطريقة تقليدية وبحشائش الجبل والذي اهدته لي الحاجة هادية،ثم استلقيت في ظل بارد من اجل الحصول على نصيب من الراحة خلال القيلولة

مع الساعة الثالثة بعد الزوال واصلت المسير حتى بلغت منطقة اسمها kayraka معزولة نوعا ما، طريقها قليل الحركة ومحاذية لواد كبير، بدأت اسير وحيدا وسط طبيعة غاية في الروعة، كل منعرج يذكرني بمكان زرته سابقا في تونس، على طول عشرين كيلومترا صاحبتني مشاهد تذكرني بمنعرجات توجان والجبال السوداء في مدخل سانت كاترين في صحراء سيناء

هنالك اودية تعلوها جسور معلقة تذكرتي بمحمية ضانا بالاردن

تجمعات سكنية معزولة وكانني في قرى جبال الاطلس بالمغرب، مشاهد أرجعت ذاكرتي لعدة اماكن يجمع بينها الهدوء والبساطة وعظمة الخالق، منطقة kayraka جميلة ولازالت تحتفظ بعذريتها ولم تطالها ايادي المتمعشين من السياحة، عاينت العديد من المسالك لهواة المشي وأخرى لهواة الدراجات الجبلية، منطقة جميلة لمن يريد الراحة والعودة الى الطبيعة، علىى جانب الطريق تنتشر عيون مهيئة ترتادها العائلات لاعداد الغداء والراحة.

وصلت مدينة BAYKAN والتي تعد حوالي 6 الاف ساكن (تنطق بيقان) قبل المغرب.

تجولت بها ولاحظت ان حركتها نشطة بمطاعمها ومتاجرها، اعجبني ابتكارهم الذي اضافوه للدراجة فتصبح تحمل كل ما يريد سائقها

تحتوي المدينة محطة بنزين وحيدة في وسطها حيث استاذنت بالتخييم داخلها فبت في مسجدها. انطلقت باكرا من BAYKAN فقد كنت اعرف أن الطريق صعب ويشق الجبال ومبيتي في المسجد اراحني من جمع الخيمة ومحتوياتها فالدراجة جاهزة من البارحة، كانت الساعة السادسة صباحا ونسمات الهواء كانت باردة وانا مازلت بلباسي الصيفي، الطريق شبه خال فانتهزت الفرصة لأتقدم اكثر ما يمكن قبل اشتداد الحرارة.

الطبيعة خلابة تنسي مشقة السير والقيادة وتحتوي مشاهدا رائعة جدا. كنت ادفع دراجتي عدة كيلومترات لاتمتع بعدها بمنحدر لعدة كيلومترات اخرى، الطريق يتوازى مع وادي يصب في بحيرة وان van وجهتي القادمة ان شاء الله.

يتبع …
بقلم
سمير بن يعقوب
دراج رحالة تونسي ، اضافة الى زيارة كل المناطق التونسية عبر كل الجزائر والمغرب والاردن ومصر وتركيا وإيران.
ينشر كل نشاطه على صفحته بالفايس بوك.

كل اجزاء رحلة تركيا:
1  –  2  –  3  –  4  –  5  –  6  –  7  –  8  –  9  –  10  –  11  –  12  –  13  –  14  –  15  –  16  –  17  –  18  –  19  –  20

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.