اكتشاف الطلسم – ايران على الدراجة (15)

افقت مبكرا بعد ليلة مريحة بحديقة melli garden على صوت موسيقى ايقاعية غربية، خرجت من خيمتي لاستجلاء الامر فاذا بها مجموعات من الشباب و الكهول تمارس الرياضة على وقع الموسيقى، نساء ورجال يتبعون تعليمات مدربهم ضمن مجموعات متفرقة، اقتربت منهم والتقطت لهم بعض الصور دون اية معارضة بل رحبوا بي ودعوني لشرب الشاي، هذا المشهد شدني كثيرا في بلد ينعت بالانغلاق والتزمت والتشدد واضطهاد المرأة

جمعت امتعتي وخرجت باحثا عن نزل للاقامة بضع ايام، البحث لم يدم طويلا، كان هدفي وجود نزل في حي شعبي وبالقرب من الاسواق والمتاجر والمساجد وفي قلب شيراز النابض، نقلت كل امتعتي الي غرفتي وتركت الدراجة في صحن النزل، تجولت بعدها في انهج وازقة واسواق مدينة شيراز، هذه المدينة التي تشتهر بالشعر والفن والحرف اليدويةً والتاريخ الثري. قادتني قدماي الى مسجد نصير الملك والمسمى أيضا بالمسجد الوردي ويعتبر اكثر الاماكن شعبية وزيارة في شيراز، تمتد مساحته على قرابة 3000 مترا مربعا، انطلقت اشغال بنائه بداية القرن التاسع عشر (سنة 1876 ) ودامت 12 سنة، تعتبر النوافذ الزجاجية الملونة هي ابرز ما يميز هذا المسجد فعندما تنتشر اشعة شمس كل فجر على المسجد ينعكس النور على زجاج النوافذ الملونة بالوردي والازرق والاحمر ليجلب حياة جديدة اليه مع اشراقة كل يوم جديد

نافورته المركزية للوضوء

الدخول اليه بمليون ريال للاجانب (3 دولارات) ومجانا للمصلين، تجولت في اروقته وساحته وعندما حان موعد الصلاة اصطف الجميع من زوار وعملة، رجالا ونساءا لصلاة الظهر و العصر معا، كانت لي مقابلة مع امام المسجد وكان شابا في الثلاثينات من العمر، تحدث معي بالعربية مطولا في مسائل تتعلق بالدين وحول هذا المسجد وتاريخه، عرفني بعائلته واعطيته بسطة عن مجمل رحلتي

النّوافذ الزّجاجيّة المُلوّنة هي أبرز ما يُميّز هذا المسجد لكن لا يجب اهمال التحدث عن باقي التّفاصيل الصّغيرة، يحتوي المسجد على مكونات رائعة من العمارة الاسلامية التّقليديّة مثل أقواس المسجد وقبّته المُزخرفة والأعمدة الرخامية المنحوتة ونافورة الوضوء المركزيّة، كنت مرتاحا نفسيا بشكل كبير وانا اتجول في هذا المسجد، مكثت به لحدود غروب الشمس دون الاحساس بمرور الوقت، مزج هذا المسجد الفن والالوان والروحانيات لتضفي على نفس المصلي حالة هدوء اعجز عن التعبير عنها، غادرت هذا المسجد لاكمل جولتي الليلية في شوارع مليئة بالحركة والحياة، مطاعم، مقاهي، متاجر مفتوحة، عائلات تتنزه وتتسوق في بلد الامن والامان، لديهم مأكولات تأخذ حتى نفس الاسم كالذي لدينا مثل الزلابيا فحتى الشكل هو نفسه

“المخارق” لها نفس النكهة كالتي لدينا ولكن شكلها يختلف

أما هذه فتسمى السمبوسة وتشبه “البريك” لدينا

شيراز او اصفهان الصغرى، سادس اكبر مدينة في ايران تستوجب المكوث فيها لاكثر من يوم، اقامتي في النزل رغم تواضعه مكنتني من النوم عميقا، أفقت متأخرا فليس هنالك جمع أمتعة أو تفكيك خيمة، إفطاري الصباحي كان في غرفتي، شاي مع غلال الموسم اقتنيتها من بائع متجول على بعد امتار من النزل، وجهتي الان ثاني اكثر معلم تاريخي زيارة في شيراز والذي يبعد على وسط المدينة بعض الكيلومترات، إنه قصر زينة الملك، تم بناؤه سنة 1878 ودامت عملية البناء والتزويق 11 سنة، كان بمثابة دار الحكومة ودار للضيافة للقاء ممثلي الحكومات الاجنبية

يحتوي هذا القصر على اكثر من عشرين غرفة مزينة بالرسوم واللوحات والمرايا الرائعة كما يحتوي على ممرات سفلية تربط بين اجنحته وتستعمل لتنقل الملوك والعملة والجواري دون الحاجة للخروج الى الصحن، حولت هذه الدهاليز سنة 1973 الى معارض للحرفين والفنانين، خلال تجولي في احد ممراته السفلية دخلت احد المكاتب الادارية، في وسطه طاولة تكدست فوقها بعض الصور وعندما تصفحتها وجدت اغلبها للقصر قبل القيام بعملية ترميم نفذها حرفيون ايرانيون مهرة في فن العمارة والزخرفة

إحدى قاعات العرض

أحد مكاتب القصر

جمال القصر وروعته جعلني اغادره مجبرا قبيل غروب الشمس عند غلق ابوابه

يتبع …
بقلم
سمير بن يعقوب دراج رحالة تونسي ، اضافة الى زيارة كل المناطق التونسية عبر كل الجزائر والمغرب والاردن ومصر وتركيا وإيران. ينشر كل نشاطه على صفحته بالفايس بوك.

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.