تركيا القريبة بالتاريخ البعيدة بالجغرافيا (13)

من مبيتي في المنتزه العائلي في احدى قرى اطراف مدينة PIZANTI الجميلةً وفي يومي الخامس والعشرين بجولتي عبر تركيا على الدراجة انطلقت جنوبا في اتجاه مدينة ضانا DANA وفي دماغي توصيات صديقي الدراج التركي الشاب Alperen حول صعوبة الطريق وخصوصا في بدايته، غادرت مع الثامنة صباحا وانطلاقا من باب المنتزه بدأت أدفع دراجتي في طريق جبلي يمر بين القرى و المنازل في صعود مستمر مع اشتداد الحرارة وعند كل ظل شجرة اتوقف، وكان الحال كذالك طيلة عشرة كم تقريبا.

عبرت حارات صغيرة باسواقها ولاحظت استغراب الناس مني وهم يشاهدون مشقتي في دفعي لدراجتي، عند منتصف النهار وصلت اعلى قمة في هذه القرية وبدأت مرحلة النزول حتى وصولي لطريق فرعي يوصلني الى الطريق الوطنية الرابطة بين PIZANTI و ADANA و هنا بدات مرحلة جميلة من رحلتي فكل الطريق منحدر واحيانا منحدر حاد على طول عشرات الكيلومترات فيكون ركوب الدراجة نعيما والحمد لله فبعد التعب نتيجة الدفع ياتي فرج النزول في طريق متسعة، تنتشر على طول الطريق محطات الوقود والاستراحات، الحقول الفلاحية منتشرة بكثرة والفلاحة التركية تساهم مساهمة رئيسية في نهضة اقتصاد البلد والمنتوجات التركية غزت كل البلدان المجاورة وحتى البعيدة، قررت اني وحال وصولي مدينة ADANA و التي يفوق حجمها حجم تونس العاصمة شراء معدات جديدة لدراجتي، نصحوني بالذهاب الى حي ميزته أن كل محلاته تبيع قطع الغيار، بحثت فلم اجد الا محلا واحدا مفتوحا وصاحبه يستعد لاغلاقه، اقتنيت اغراضي وطلبت منه ترك دراجتي بمحله لاني ازمع المبيت في المسجد المجاور فوافق مشكورا.

دخلت المسجد واديت صلواتي وعند صلاة العشاء قدم الامام وهو شاب سوري وطلب مني بكل لطف عدم المبيت والمغادرة لان ذلك ممنوع وقد يتعرض لمشاكل هو في غنى عنها خصوصا انه لاجئ هنا ومنذ سنوات، كانت كل اغراضي مع الدراجة في المحل وليس معي الا حقيبة الظهر وبها اوراقي وبعض الليرات، اقترح علي مساعدتي في العثور على نزل غير مكلف فانتقلنا من نزل الى نزل وكلها اما غالية او ليست شاغرة حتى استقر الامر على نزل PARK OTEL وتكلفة المبيت 130 ليرة لليلة الواحدة ( 25 دينارا تونسية)، كان اجمل ما وجدت غرفة الاستحمام وطاولة شاي مجانية للحرفاء، كانت ليلة استحممت فيها ونمت نوما مريحا .

الغلال متوفرة وليست باهضة الثمن بل في متناول المواطن العادي، فالكغ من التين في حدود دينارين تونسية والصبار مثلنا تماما الحارة بدينار، افكار الشباب التركي مبدعة ورائعة فهذه الحافلة تحولت لدكان حلاقة مع المكيف ايضا

اعجبتني طريقتهم في بيع العسل فهم يبيعونه بشهد النحل بلاغش ولا كذب، ويصنعون عصائر ونكهات كل الغلال

استيقظت متاخرا على غير عادتي، اتجهت مباشرة الى محل مراد حيث تركت دراجتي، في الطريق مررت بالعديد من محلات بيع الملابس الجاهزة والاقمشة ولاحظت جليا اهمية صناعة الملابس والاقمشة في الاقتصاد التركي، قابلت في طريقي دكان حلاقة فحلقت ذقني واصبحت تركيا بشوارب خاصة

حركات محفف الشعر كانت غريبة لدي ولم اشاهدها ابدا وكالعادة كان الشاي حاضرا أثناء الحلاقة، وصلت الدكان لاجد اخ صاحبه وكان بنفس الاخلاق الرائعة والابتسامة الدائمة، قمت بتفقد كامل وشامل للدراجة، ابدلت الدواسات فهي تآكلت كثيرا وغيرت الانبوب الداخلي للعجلة الخلفية وقمت بتشحيم السلسلة لتكون مستعدة لقادم المسافات، اتممنا الصيانة الساعة الحادية عشرة وحزمت أمتعتي لانطلق من جديد.
انطلقت قاصدا الجهة الشرقية للمدينة في اتجاه العصمانية وبعدها غازي عنتاب ان شاء الله

انبهرت بطريقتهم الغريبة في تجفيف الخضر والغلال فهم يبدعون طرقا جديدة في تجفيف الخضر والغلال كما يصنفون العصائر

تمتد الحقول دائما على جوانب الطرق والحركة داخلها تكون كثيفة حتى المساء، اشتدت الحرارة مع منتصف النهار و انا مازلت لم اخرج بعد من مدينة ADANA الكبيرة فاخترت التوقف والاستراحة في منتزه صغير على اطراف المدينة، نمت ولم أفق الا مع الثانية بعد الزوال وأنا أحس بالجوع الشديد، تناولت غدائي عند الرابعة ولاحظت ان المقبلات نقصت قليلا.
انطلقت مباشرة بعد الغداء وكان الطريق يعج بالشاحنات الثقيلة التي تعتبر العمود الفقري للنقل التجاري في تركيا، توقفت قليلا للاستراحة في بعض محطات البنزين وكان همي مواصلة الطريق والوصول الى العصمانية ولاول مرة اواصل السير بعد صلاة العشاء مع حلول الظلام واستعمال انارة دراجتي، وجدت محطة بنزين قبل العصمانية بـ 25 كم فتوقفت بها للعشاء والمبيت.

صباحا، جمعت اغراضي وجهزت دراجتي للمواصلة وبمجرد الخروج لاح لي في الافق أمامي جبل عظيم، حسب الخريطة والتطبيقة يتوجب علي المرور عبره للوصول الى السهول في الجهة الاخرى، خلت ان الجبال قد انتهت بمغادرة الشمال وأخبرني الجميع أن الجنوب كله سهول منبسطة فما هذا الذي اجده أمامي؟، دفعت دراجتي تحت حرارة ملتهبة لمسافة تفوق عشرين كيلومترا وكان علي اخذ قسط من الراحة اثناء القيلولة فتلك الحرارة قاتلة فعلا، من الساعة الثامنة والى حدود الواحدة لم اتقدم دفعا بدراجتي سوى 7 كيلومترات وهذا محبط والطريق طويل ولكن التحدي كان أكبرا. يذكرني المشهد بالطريق الزراعي المحاذي للنيل ومدن صعيد مصر، سيون وسوهاج والمنيا ومنفلوط حيث شاهدت خروج العائلات نحو الحقول مصحوبين بدوابهم ومجروراتهم وعرباتهم للقيام باعمالهم الفلاحية اليومية، نفس المشهد تقريبا ولم يغيره الا وجود الجبال هنا، لاحظت شيئا لم افهم الغاية منه وهو حرقهم لفضلات الحصاد على نفس الارض فحتى علميا هذا مضر بالتربة وخصوبتها، اتوقف كل مرة عند أحد باعة التين على حافة الطريق او قرب فلاح يجمع محصوله من أجل أخذ قسط من الراحة وكل من تحدثت معهم أجمعوا على صعوبة الطريق وعلي اجتياز عقبة الجبل التي تعترضني.كان غدائي يعادل تعبي هذا اليوم، كان لذيذا وبنكهة جيدة

مع العصر وبعد القيلولة، واصلت دفع دراجتي ولاحظت ضعف بطارية عداد الدراجة الذي بدأ يظهر جليا من خلال شاشته. اعترضتني لافتة تدعو مستعمل الطريق للابتسام رغم صعوبته.

قبيل غروب الشمس وصلت مدينة Raspinar وبعدها منحدر في اتجاه غازي عنتاب، اخترت الخروج من هذه المدينة والمبيت في اخر المنحدر لان التعب أنهكني هذا اليوم، استوقفني راعي اغنام سوري وتحدث معي عارضا علي المبيت عنده في قرية Nurdeg ولكني اعتذرت بلطف فلم ارغب في اتعاب واحراج احد، عند اول محطة بنزين توقفت ليكون مسجدها الصغير مبيتي في ليلتي هذه، ونتيجة التعب نمت باكرا دون القدرة على الرد حتى على رسائل متابعي.

يتبع …
بقلم
سمير بن يعقوب
دراج رحالة تونسي ، اضافة الى زيارة كل المناطق التونسية عبر كل الجزائر والمغرب والاردن ومصر وتركيا وإيران.
ينشر كل نشاطه على صفحته بالفايس بوك.

كل اجزاء رحلة تركيا:
1  –  2  –  3  –  4  –  5  –  6  –  7  –  8  –  9  –  10  –  11  –  12  –  13  –  14  –  15  –  16  –  17  –  18  –  19  –  20

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.