تركيا القريبة بالتاريخ البعيدة بالجغرافيا (15)

انطلقت قبل الساعة السابعة باكرا على غير عادتي حتى يتسنى لي زيارة مدينة sanirufa (تنطق بالعربية “شاني اورفة”) والبعض من معالمها، نصحني صديق من اكراد العراق بزيارة بحيرة الاسماك ومدني بموقعها فقررت الولوج اليها، توجهت الى وسط المدينة ودخلت ازقتها حتى وصلتها

هي عبارة على منتزه كبير، مصان بشكل رائع، دخلت مجانا مع دراجتي وتجولت في ارجائه، سالت عن موقع بحيرة الاسماك وهي بحيرة سيدنا ابراهيم الخليل عليه السلام فدلوني الى موقعها، ذهلت لجمال المكان وروعة المشهد وتخيلت سلاطين وجواري ذلك الزمان وهم يتجولون هنا وهناك ايام حياة وازدهار الامبراطورية العثمانية.

تعددت الروايات حول تسمية البحيرة، فهنالك من يقول انها البحيرة التي القي فيها النبي ابراهيم عليه السلام بامر من الملك النمرود في ذلك الزمان لحرقه قبل ان ياتي الامر الالهي لتتحول النيران الي مياه و الحطب الي اسماك، على حوافي البحيرة ينتشر باعة غذاء الاسماك حيث يمكن الاقتراب منها واطعامها باليد.

اقترب مني شاب وكلمني بالعربية وعرفت منه انه من عرب تركيا واصيل مدينة حران Haran ويشتغل مصورا بالمكان، رحب بي بلطف شديد والبسني لباس السلاطين والتقط لي بعض الصور بهاتفي ورفض قبض اي مال لقاء عمله

على ضفتي البحيرة يوجد مسجدان، مسجد خليل الرحمان وبني سنة 1300 ميلادي ومسجد الرضوانية، بمدينة “شانلي اورفة” عدة معالم تاريخية لم اتمكن من زيارتها لضيق الوقت كمسجد صلاح الدين الايوبي مقام سيدنا ايوب عليه السلام و قبره و متحف يعد خامس اهم متحف في تركيا. هنالك وادي يشق المدينة لنصفين، خرجت من المدينة الساعة العاشرة صباحا شاكرا صديقي الكردي على اقتراحه الجميل لزيارة بحيرة الاسماك، مدينة جميلة تراوح بين التاريخي والعصري، القلاع والاسوار والعمارات والحدائق.
طريق الخروج من المدينة كان كله صعودا ولعدة كيلومترات، الطريق الي ديار بكر كان منبسطا ويحتوي منحدرات خفيفة ومريحة وعلى الجوانب تنتشر السهول ومزارع رمان وزيتون وفستق وتين. القرى اصبحت متباعدة وكذلك محطات البنزين التي تمثل مصدري الوحيد للتزود بالماء والمؤونة ثم الاستراحة.

عند الساعة الواحدة بلغت مدينةً Hilvan (حلوان بالعربي) وكانت الحرارة شديدة لا تطاق فاخذت نصيبا من الراحة وعدت مجددا للطريق مع العصر، كان اصراري قويا في التقدم الى اقصى حد يمكنني بلوغه خصوصا وان المجال الطبيعي والجغرافي اصبح مكررا وروتينيا.
كنت دائما استعين بتطبيقة الـ gps ومع غروب الشمس احدد المدينة التي يمكنني الوصول اليها و المبيت بها، وصلت مدخل مدينة arsnali وفي احدى محطاتها نصبت خيمتي

لم يعد يفصلني عن ديار بكر الا مسافة لا تفوق 116 كم تقريبا وبوصولي اليها اكون ان شاء الله دخلت الشهر الثاني من رحلتي و الالفية الثالثة من عدد الكيلومترات المقطوعة.
استعددت للانطلاق باكرا نظرا للمعلومات التي استقيتها من مستعملي الطريق حول خلو الطريق من المرافق والحركة عبره منقوصة. اول مدينة صغيرة اعترضتني هي مدينة sivrelk بعد عشرين كم من السير وفي احد مطاعمها تناولت افطاري والذي كان متكونا فقط من الشربة وبعض سلطة الخضار.
بدات الحرارة ترتفع رغم ان التوقيت مازال في حدود الساعة الثامنة والنصف، الطريق مستوي وخال من التجمعات السكنية والقرى ولا توجد الا محطات البنزين ولكنها متباعدة وبمسافة تعادل 35 كم وهي لا تحتوي اي خدمات اخرى فلا مطعم ولا حديقة ولا اي شيء. اختفت الجبال تماما وحلت مكانها السهول الصخرية وعلى مساحات شاسعة، النشاط الفلاحي اقتصر على حوافي الاودية وهي جافة حاليا

اسير مسافة تقدر بعديد الكيلومترات ولا ارى وجودا لاي حياة، توقفت امام محطة بنزين لاتزود بالماء فاكتشفت انه ساخن يكاد يغلي والهاتف توقف لارتفاع حرارته، لم اجد حتى شجرة للاستراحة في ظلها، المكان الوحيد للاستراحة يكون تحت القناطر او علامات المرور الكبيرة. كلما أتيحت لي الفرصة للحديث مع اهالي الجهة اتوقف خصوصا مع باعة الخضار القليلون والمكافحون الصامدون في اراضيهم رغم صعوبة المكان.

اعترضني راع طريف اعجب بساعتي واقترح علي مبادلتها بنعجة من قطيعه يربطها واحملها خلفي، قررت التحدي واتمام العزيمة للوصول الى “ديار بكر” حتى وان وصلت متأخرا، عند المدخل الخارجي للمدينة اعترضتني بوابة تفتيش عسكرية كبرى تراقب وتتثبت في كل حمولات الداخلين والخارجين، اوقفني جندي شاب امام احدى الثكنات وطلب مني الدخول للثكنة وتأكدت اني ساخضع للتفتيش وتقديم جواز السفر وكل ما يتطلب التثبت، فوجئت به يدخلني مكتبه ويقدم لي كاس ماء بارد مع طلب مده بكل قواريري ليملأها بالماء البارد وكل ذلك بكلام حلو وابتسامة لا تفارقه ثم تمنى لي رحلة موفقة، كان موقفا سعدت به جدا واعطاني فكرة اخرى عن كرم وطيبة ها الشعب، واصلت طريقي وأغلبه كان منحدرات حتى وصلت اخيرا مع صلاة العشاء جائعا متعبا واول شيء فعلته العثور على مطعم والاستراحة، طلبت عشاء متوازنا يعوض شقاء يوم حار ويكون مناسبة للاحتفال ولو بمفردي ببلوغ الالفية الثانية.

بعد ذلك اتجهت نحو اكبر حديقة في المدينة وطلبت الاذن من العامل بها لنصب خيمتي بها فاقترح علي المبيت لديه ووضع تحت تصرفي المشرب الذي يديره والمجموعة الصحية مع الحمام الساخن والماء البارد للشرب

نتيجة تعبي الكبير فقد نمت باكرا ولم افق الا متأخرا.

يتبع …
بقلم
سمير بن يعقوب
دراج رحالة تونسي ، اضافة الى زيارة كل المناطق التونسية عبر كل الجزائر والمغرب والاردن ومصر وتركيا وإيران.
ينشر كل نشاطه على صفحته بالفايس بوك.

كل اجزاء رحلة تركيا:
1  –  2  –  3  –  4  –  5  –  6  –  7  –  8  –  9  –  10  –  11  –  12  –  13  –  14  –  15  –  16  –  17  –  18  –  19  –  20

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.