تركيا القريبة بالتاريخ البعيدة بالجغرافيا (11)

جمعت خيمتي دون عجل بما انني قررت البقاء يوما آخر في كابادوكيا للتعرف عليها أكثرا، وقع اختياري على قرية Uçhisar التي زرتها بالامس كاول قرية اعترضتني، اخترتها لصغرها ولقلة المنشآت السياحية بها وبقاءها تقريبا كما كانت عند تكوينها، خلال جولتي بها يوم امس وتسلقي بعض البيوت المحفورة في الصخر وقع اختياري على بيت واسع يشرف على كل سهل كبادوكيا اين تقلع المناطيد كل صباح، استشرت صاحب مقهى صغير يقع بجواره حول امكانية المبيت داخله والسهر في مقهاه فقال لي ان البيت المحفور ليس ملكه ولكن بامكاني استغلاله، اليوم عند وصولي الى المقهى سلمت على عم اسماعيل وشرعت في رفع امتعتي للبيت، اقترب مني وبدأ يحدثني بالتركية وفهمت انه يريد 30 يورو مقابل الاقامة دون وجه حق فالبيت ليس له أساسا، قلت له “لا تتركوا المال يفسد علاقتكم مع ضيوفكم” وجمعت امتعتي وانصرفت مع دهشته الكبيرة من ردة فعلي، عند الساعة العاشرة والنصف قررت مواصلة الرحلة نحو مدينة Kaysari بعد أن أضعت ساعتين ونصف بسبب جشع اناس همهم المادة قبل العلاقات الانسانية، في الطريق، وجدت المشهد يتكرر من خلال البيوت المحفورة في الصخر والمناطيد المحلقة فوقي في السماء.

توقفت في قرية افانوس Avanos وهي قرية مشهورة بصناعة الفخار تشبه كثيرا قلالة في جربة او المكنين في الساحل وبها عدة متاجر ومحلات لصنع الفخار ولديهم ايضا الطين الاحمر المصنوع بالماء الحلو والطين الابيض المصنوع بالماء المالح والذي يجلبونه من السباخ المجاورة، تزين ساحات ومفترقات طرقات افانوس بجرار وقلال عملاقة اعطت للمدينة طابعها الحرفي المشهورة به .

تعرفت على صاحب معمل خزف بشوش ورائع ويحمل نفس اسم الشخص الذي حاول استغلالي بكراء بيت محفور ليس ملكه، التقطت له صورا مع دكانه

واصلت طريقي وكان في اغلبه مرتفعا مع حرارة شديدة وهواء جاف وحركة مرورية كثيفة لا تنقطع ككل طرق تركيا، على جانبي الطريق تنتشر مزارع كروم مع كثرة بائعي العنب، توقفت قرب احدهم للاستراحة وعرفت منه ان هذه المنطقة ومنذ العهد البيزنطي مشهورة بعنبها وجودة خمورها ووجدتهم يحفظون اوراق العنب المملحة لاستغلالها في اكلات اخرى بعد ذلك.

عند الساعة الواحدة والنصف ومع اشتداد الحرارة، توقفت للغداء واخذ قسط من القيلولة حتى الساعة الرابعة، حيث لم يعد يفصلني عن كيسري الا 40 كم.

قابلني في طريقي مؤسسة لكراء “الكواد” ووجدت العدد مهولا فعلا ويمكن اكثر من كل كوادات ثلاث ولايات كبرى لدينا فالعدد يفوق 500 عربة.

واصلت طريقي بعد ان خفت الحرارة وبدأت استعد لاختيار مكان مبيتي، واصبحت لدي خبرة كافية تمكنني من اختيار افضل الموجود وبدأت افضل المحطات التي تضم فضاءات للترفيه او عائلية فهي تضم كل المرافق مع توفر حديقة لنصب خيمتي، دخلت الكثير ولم تعجبني اي منها حتى حل الظلام فقررت المبيت في اول محطة تعترضني مهما كان شكلها، ووصلت لمحطة مع الثامنة مساء ونصبت بها خيمتي بعد الاستئذان من صاحبها وانهيت يومي بها.
مع السابعة صباحا وبعد الافطار، جمعت أمتعتي وهممت بالخروج لكن لاحظت ان عجلة دراجتي الامامية مثقوبة بفعل ما اصابها من اشواك حادة، شرعت في اصلاحها والحمد لله فالهواء المضغوط متوفر في المحطة، نوع هذه الاشواك غريب فهو ينكسر بسرعة حالما يدخل الاطار ويبقى يشكل خطرا لذلك علي التثبت جيدا و تنظيف العجلة من كل الشوائب، عرفت ان هذه الاشواك موجودةلدينا أيضا في صحراء تونس وتسمى “النقيرة” وتستهلكها الابل عندما تكون خضراء.
انطلقت في اتجاه مدينة كيسري للتعرف عليها فهي مدينة متطورة وبها عدة مناطق صناعية تعتمد كذالك على بيع و صيانة الالات الفلاحية و الزراعية الكبرى، التقطت صورة لطريقة تركية في البناء السريع.

بالقرب من قيصري طائرة شحن عسكرية من نوع hercule تقوم بدورات وطلعات تدريبية في السماء وبشكل منخفض وتنزل مضليين في الحقول و السهول والمشهد يتكرر عدة مرات واصبح مالوفا هنا في الجنوب مشاهدة رتلا من المجنزرات المصفحة يسير في الطريق ويعود ذلك حسب الشائع للقرب من كردستان تركيا، الطريق منبسط ومؤنس وبه عديد المدن والقرى، نشاطها الاساسي الفلاحة وأساسا الزراعات الكبرى، على جانبي الطريق تنتشر مزارع دوار الشمس وفيها ما حصد وفيها المزروع حديثا مما يعني أنها زراعة دائمة على مدار السنة .

بدأت مشاهد الريف التركي تتشكل من حيث المعمار والتجمعات السكنية وحتى البنية التحتية التي لا تختلف عن بنية تونس من ناحية رداءتها وقلة مرافقها، مررت بقرى dognali وkovali ، على جانبي الطريق ينتشر بائعو الخضر والغلال وفق عروض من المنتج الى المستهلك حيث الاسعار منخفضة جدا مقارنة بما لدينا في تونس وهي ذات جودة ممتازة ايضا.

بعد هذه المدة من الترحال آن الاوان لصيانة الدراجة فقصدت محلا مختصا في لوازمها وقمت بما يلزم، أفراد الشعب التركي يرحبون بي دائما ويمدوني بالماء البارد والتقط معهم صورا تذكارية

الشمس دائمة البزوغ هنا ولذلك فهم يهتمون بالطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء فأينما تولي نظرك تشاهد الواحها .

مع غروب الشمس توقفت عند اخر محطة بنزين على اطراف قرية YASILHISAR ، وضعت دراجتي في حديقة مسجد المحطة بعد الاستئذان من صاحبها، تناولت العشاء في مطعمها وكان الاكل جيدا والاسعار مقبولة جدا، بعد ذلك قضيت ليلتي في مسجدها الصغير.

افطاري الصباحي كان بسيطا جدا …

رحلتي ستتواصل نحو الجنوب، وحسب ما وصلني من معلومات فان طبيعة البشر تختلف عما سبق وقابلت، هم أكثر محافظة وانغلاقا، كرماء كبقية الاتراك لكن لا يبادرون الزائر بالكلام او بعرض مساعدة بل يجب علي ان ابادر بالسؤال والحديث وسوف تقل كثيرا او تنعدم دعوات شرب الشاي مثلا، تختفي الاعلام العملاقة التي تشاهد بكثرة في اسطنبول أو انقرة، بدأت تظهر الوجوه ذات السمات الاسياوية، الطرق والبنية التحتية والنظافة تختلف كثيرا عن الشمال.

يتبع …
بقلم
سمير بن يعقوب
دراج رحالة تونسي ، اضافة الى زيارة كل المناطق التونسية عبر كل الجزائر والمغرب والاردن ومصر وتركيا وإيران.
ينشر كل نشاطه على صفحته بالفايس بوك.

كل اجزاء رحلة تركيا:
1  –  2  –  3  –  4  –  5  –  6  –  7  –  8  –  9  –  10  –  11  –  12  –  13  –  14  –  15  –  16  –  17  –  18  –  19  –  20

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.