ماذا قدمت الى هذا العالم ؟ (3)

عندما غادرت الجامعة، توفر لي الوقت كثيرا لاستغله في ما كنت أظنه ينفع، كنت مطالعا جيدا لكل ما يقع تحت يدي، تحدثت سابقا عن البعض من اهتماماتي وليست كلها طبعا، تحدثت عن تجربة مهمة خضتها وقتها وهي دراسة المسيحية في مدرسة تبشيرية بالمراسلة توازيا مع دراسة مجال آخر و هو اليوجا، اليوجا وقتها كانت كلمة غير معروفة وليست مشهورة كالحال الان اما في قريتي فأكاد أجزم ان الجميع او الاغلبية الساحقة على الاقل تجهلها، حاليا انتشرت اليوجا كثيرا حتى دخلت عديد المجالات الحياتية ومما هزني بشدة دخولها ميدان التعليم ضمن استغلال امكانيات اليوجا لتطوير القدرة النفسية للطفل من اجل ان يستوعب دراسيا واوجدت عشرات المسميات لبرامج شبيهة تهدف كلها للرفع من مستوى التقبل الدراسي لدماغ الطفل بشكل أفضل.

في تلك الايام لم يكن هنالك انترنت ولا كل وسائل الدعم السريع مثل الان ولكن المادة العلمية الأولية كانت موجودة، تمكنت ايامها من الحصول على كتاب يمثل دورة عملية لمدرب مصري وضع كل تجربته مع اليوجا في كتاب عربي صميم وتمكنت من الحصول ايضا على دراسات تعلم اليوجا العملية كما كنت اتمناها، بدأت الدراسة خطوة خطوة عبر شهور عدة ووقتها كان لدي مساحة متوفرة في المنزل لاتعلمها دون ان يلاحظ أي كان شيئا، كنت متأكدا وقتها ان والدي رحمهما الله كانا سعيدين جدا كون ابنهما يصلي دائما وفي اغلب اوقات النهار ودون ارتباط بالاذان فلا اظن مطلقا ان أي منهما كان قادرا على معرفة الفرق بين الصلاة واليوجا التي اطبقها، ركزت كثيرا وقتها على عملية التنفس فهي اكثر ما شدني بعد تطبيقها مدة طويلة، كانت قدرتي على التحكم في الهواء بصدري دون التنفس مطلقا تتطور شيئا فشيئا حتى حققت رقما قياسيا صغيرا وقتها تجاوز السبع دقائق والنصف وكانت خطوة اسعدتني جدا خصوصا واني بت احققها بسهولة شديدة ودون تعب يذكر، كان زادي وقتها دراسات تطبيقية عدة لليوجا وسجادة الممارسة وساعة كبيرة اضعها امامي دائما، كنت احاول الارتقاء روحيا ضمن تطبيق آليات محددة وكنت اطبقها حرفيا وامارس فن “التأمل” بجدارة فكنت أغمض عيني لوقت قد يطول كثيرا تاركا لدماغي مطلق الحرية في السفر بعيدا خارج نطاق الزمان والمكان ولا اريد الخوض في هذه الاليات ولكن ملخصها انها تقودك لتحس براحة نفسية كبيرة تقربك من السعادة القصوى التي يمكنك تصورها وتحس احساسا غريبا انك خرجت كليا من عالم المحسوس هذا الذي نحياه واقعيا لتلامس سعادة لا استطيع التكلم عنها بمصطلحاتنا العادية، ومع تطور ممارستي التطبيقية لليوجا زاد اهتمامي ومطالعاتي لفلسفتها النظرية والفكرية لاقضي شهورا مع ابرز منظريها ادرس افكارهم سطرا سطرا، كانت فكرة اليوجا كفلسفة فكرية تحرر النفس من قيود الدنيا لتخلصها من عبودية المشاكل وانها تسعى للراحة النفسية لممارسها هي الاكثر انتشارا وهي الفكرة التي يأخذ بها كل مدربوها وهي الفكرة الابرز المسوقة شعبيا، بعد حذقي لليوجا الاصيلة وتطور مطالعاتي الفكرية عنها وحولها بدأ يظهر لي الوجه التعيس والمدمر لها، ودون الخوض طويلا ايضا في وصولي اليقيني لاصنف اليوجا ضمن اتعس الافكار الهدامة والمتخلفة وانها تدخلك جنة كاذبة للراحة النفسية وهي في حقيقتها توصلك لتدخل باب الكفر من أوسع ابوابه وانت سعيد كونك تخلصت من ادران الدنيا الزائفة وانك اتحدت بالقوة العظمى، ضمن سلسلة طويلة من الممارسة توصلك اليوجا لتكون صافيا كليا ومتخلصا كليا من مآسي البشر ولتكون نقيا لا تغريك أي مباهج دنيوية، باليوجا ونظريا طبعا ستصل للالتحام بالطاقة الكونية الكاملة وترتقي وترتقي وترتقي حتى تكون قادرا على تحقيق ما تراه الان مستحيلا وتحقق ما تعجز كبشري الان عن تحقيقه، الدرجة القصوى والتي ستصلها باليوجا وهذه لن يقولها لك أي مدرب عربي لليوجا مهما تطرف في تفكيره انك ستكون الله المتحكم بأمره ولا اظن ان هنالك درجة اكبر من هذه. عند وصولي للادراك الفعلي لهدف اليوجا كممارسة وكفكرة وكسلوك طويت ملفها كليا بعد ان اضاعت من عمري وقتا طويلا ايضا مثل غيرها من النظريات الفكرية والتي تعدك بجنة الفردوس لتكتشف انك تعيش على هامش الحياة كليا، ما درسته وما طبقته هو اليوجا الاصيلة الخارجة من معابد معلميها وليست نسخ اليوجا الحالية المنتشرة في كل ركن عربي فما تراه الان تجارة كاملة الشروط اسمها المسوق يوجا وحقيقتها تطويع لما لا يطوع من اجل نهب اموالك القليلة وانت سعيد كونك ارتقيت روحيا وحققت السعادة القصوى، وقذارة من يسوقها تبرز من خلال وسائل تسويقها فعندما درستها بعمق عرفت مثلا ان “مغامرات ساسوكي” ليست سوى تطبيق أمين وجلي لليوجا ومثيلاتها وان اطفالنا لا يمثلون في سلمهم الا فئران تجارب لبلاويهم الفكرية ونحن نصفق فرحين بما يصدرون لنا، سلسلة “سيف النار” الكرتونية لا تخرج من هذا النطاق ايضا، السلسلة الشهيرة “ناروتو” هي ايضا تحتوي كل المعتقدات الدينية الوثنية القديمة لهذا الشرق الذي صدر لنا اليوجا والريكي وعلم الالوان وعشرات الافكار الاخرى، لعبوا بعقولنا صغارا وحتى كهولا وشيوخا ايضا، لعبوا معنا لعبة الحاجة ليكون “الوخز بالابر الصينية” مثالا حيا ويعرفه الجميع عربيا، اصبح الوخز بالابر علما قائما نافعا لنا رغم انه لا يمثل الا فكرة وثنية خارجة من عمق المعابد و وصل بنا الحال لنفتح له اقساما خاصة به في مستشفياتنا ونصبح لا نمثل الا بيادقا تحرك من وراء الستار، في جهتي وخلال سنوات عديدة، كانت هنالك بعثات طبية صينية كثيرة لجهتي، في مستشفانا الكبير كان هنالك عدد كبير من الاطباء الصينيين، واثناءها افتتح به مركزا خاصا للوخز بالابر، اختي المسكينة عانت من الروماتيزم وعالجت بالابر الصينية من خلال حصص كيرة والنتيجة كانت اصفارا تعقبها اصفار اخرى الى ما لا نهاية،وحاليا هنالك اطباء عرب ومسلمون يعالجون بسحب الطاقة السلبية من جسم المريض ويظهرون في التلفاز ويسوقون لعلم لم يثبت علميا انه يتبع العلم اصلا.
ماذا اضفت للعالم هنا؟، ما اضفته في هذه النقطة هو لبنة بسيطة جدا وهي اني شاركت تجربتي مع اليوجا مع الالاف في زمن المنتديات وعلى منصة الفايس بوك وفي مدونتي هذه ونشرت التجربة ايضا ضمن كتاب الكتروني للتحميل المجاني يمكن الاطلاع عليه بالضغط هنا .
(الصورة المصاحبة ليست جلسة يوجا كما ذهب خيالك بعد ان قرأت التدوينة ولكنها جلستنا القديمة في جنوب تونس)
اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.