* الموت بسبب التفكير

يتداول كثيرٌ من المُعجبين بالخارقيّة والتأثيرات النفسيّة غير المنطقيّة قصة مفادها أن “تجربة” علمية جرت في أمريكا او المانيا او في اي دولة أخرى بحسب الرواية وتضمنت إخبار شخص سيُحكم بالإعدام أنه سيُعدم عبر تفريغ دمه، وطبعاً تختلف القصص، فتارة يُقال إنه عُرِض عليه شيء ما ليقبل بذلِك، وتارة ان النازيين هم الذين يقومون بالتجرُبة وإلى غير ذلك من القصص.
وافق الرّجُل وجرى تركيب مُعِدّات سحب الدم منه وأُغمِضت عيناه وغُطِّي رأسه وأُوهِم أنه يتعرّض لسحب الدم، مات الرّجُل بعد نِصف ساعة، لكن في الواقع لم يكُن الرجل قد تعرض لأي سحب للدم، بل إنه مات بسبب تفكيره بالموت!

إصدارات اخرى لهذه القصة منها أن رجُلاً دخل خطأ آلة التجميد، وخوفاً من الموت من التجميد فقد مات الرجُل رغم ان الآلة لم تكُن تعمل، أيضاً هنالك إصدار آخر قديم للقصة يتمثل في أن رجُلاً قيل له أنه سيُقطع رأسه، فمست الة الاعدام رقبته بِخِفّة دون إحداث قطع بينما عُصِبت عيناه وغُطّي رأسة فمات ايضاً من التفكير، وهذا الأخير في الحقيقة ماهو إلا إصدار آخر للرواية الاولى.

نأتي إلى الأدِلّة، حسناً، “لم تَجرِ أي تجرُبة علميّة بهذا الشكل على أي عملية إعدام”، انتهت القصّة هُنا.
حاول ان تبحث بقدر ماشِئت في المصادِر الأكاديمية ولن تجِد قصة كهذه. وهكذا الحال مع جميع إصدارات القصة في مصادِرها الصحفية أو العلمية، لن تجِد سوى قصة مُتغيّرة خالية من الثوابت حول مكان الحادِثة أو التجرُبة أو أي تفاصيل أخرى.
يروي الكاتِب البِريطاني “بول سميث” ( paul smith ) في كتابه “الأساطير الأكثر شرّاً” ( Nastier Legends ) أحد إصدارات القصة ويتضمّن سرداً أكثر موضوعيّة، بأن طلبة من جامعة بيرمنغهام حاولوا خِداع أحد مُساعِدي المُختبر ثم أظهروا له أنهم قطعوا رأسه وما فعلوا سوى أنهم مرروا مِنديلاً رَطِباً على رقبته فمرّ بحالة عصبيّة ومات. طبعاً لا وُجود لقصة من هذا النوع في تاريخ الجامعة أو الأخبار المرويّة عنها. يُكمِل سميث القول بأن القصة لها إصدار آخر يعود للقرن التاسِع عشر ولكن في جامِعة أبردين (وطبعاً دون أدِلة) مع تغييرات في القصة بأن الذي قُتِل كان حمّالاً، ويقول سميث أن جذور القصة تمتد إلى قصة إيطالية مُشابِهة من القرن السادِس عشر حول مُهرّج.
طبعاً الظواهِر الحقيقية التي تحدث لنا نحن البشر وخصوصاً أسباب الوفيات لاتحتاج إلى هذه القصص المُفبركة والمُشتقّة من بعضِها والتي لانسمع بها مُطلقاً في بُلدانِنا أو أزمانِنا، ومن الواضح أن قصصاً كهذه ليست قصصاً حقيقية فنحن لسنا كائنات أخرى حتى نحتاج لمعرفة طُرُق غريبة بهذا الشكل للوفاة دون أن تحدُث في مُحيطِنا الزماني والمكاني مُطلقاً.
يبقى هُناك أمر واحد ولايُمكن أن يُحتسب على الموت بسبب التفكير، وهو السّكتة القلبية، لكنه غير مرجح تماماً في هذه الحوادِث، فصاحب الثلاجة والشخص المُتجه للإعدام كلهم كانوا قد مرّوا بالخوف على نحو تدريجي وليس بشكل صدمة فائِقة، أما قصة عامِل المُختبر فلماذا يتخيّل الرجُل اصلاً انه سيُقتل؟ ولو كان يتوقّع ذلك فسيكون ذلك ايضاً على نحو تدريجي وهذا ماتفترضه فِكرة ( الموت بسبب التفكير )

بقلم صهيب العمودي

تعليق واحد
  1. محمود معجم يقول

    بداية موفقة في الكتابة وموضوع رائع تم طرحه بطريقه سلسه وسهله
    نتمنى لك التوفيق والنجاح دائما

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.