جولات على الدراجات وحوار الهواية المميزة

  احيانا وان لم يكن دائما تعجبنا قصص التحدي في الغرب ونتحدث عنها وحولها ونشارك منشوراتها في حساباتنا بمنصات التواصل الاجتماعي، يملؤنا الاعجاب بها ونصف منفذيها بانهم يفهمون الحياة بالشكل الصحيح ونازعين من الدماغ اي امكانية في ان نكون مثلهم.
منذ مدة تابعت شخصا من جهتي، قريب مني مسافة وتفكيرا، أعجبتني افكاره الخاصة بتنمية الجهة، وجدتها افكارا مميزة ونوعية، عرفت بعدها أنه من هواة ركوب الدراجات الخاصة بالرحلات الطويلة، كانت معرفتي به بداية معرفة اكبر بهواية كنت اجهلها كليا وكل معرفتي بها تنحصر في مشاهدة بعض اللقطات على التلفاز، عرفت من خلاله انه والفريق الناشط معه وبامكانياتهم البسيطة جدا والذاتية حققوا ارقاما قياسية مميزة خاصة بهوايتهم تلك، لم يعرف بهم احد ولم يتكلموا عنهم في قنواتنا التلفزية او الاذاعية الكثيرة، بل وجدت من اصدقائي ويعيش في نفس مدينتهم ولم يسمع بهم اصلا، أنجزوا مغامرات رشيقة شدتني بقوة لاتابع آخرها وهي القيام برحلة طويلة تشق الجمهورية التونسية من شمالها الى جنوبها وفق عملية تحدي رائعة ابرزها ان كل المجموعة تتكون من شبان صغار ان لم لم اقل اطفالا على وجه الدقة، اكتشفت انهم حققوا انجازات مميزة اخرى منها رحلة اروبا والتي عبرت الكثير من الدول ورغم هذا لم نسمع بهم مطلقا بل عرفت ايضا انهم عبروا بمجموعتهم تلك قريتي الصغيرة ذات يوم، لمعرفة اكثر بهذه الهواية النبيلة كان لي هذا الحوار الشيق مع نجم من نجوم هذا التحدي الا وهو رئيس جمعية فجر الصحراء للدراجات العادية بدوز وهو الذي قادني لمعرفة كل نشاطهم ولاكتشف منه ايضا اهدافهم المستقبلية التي تتطلب وقفة ودعما ارجو ان يحصلوا عليه ذات يوم.

استاذ فرج لو تعرف زوار العبقري بك اكثر؟

فرج بنمحمد، عمري 43 سنة أصيل مدينة دوز بجنوب تونس، أخصائي في العلاج الطبيعي، أب لثلاث بنات، رئيس جمعية فجر الصحراء للدراجات بدوز وأمارس رياضة الدراجة منذ 5 سنوات.

قبل هذه الخمس سنوات، كنت تمارس ركوب الدراجة كهواية بسيطة ام كنت بعيدا عنها كليا؟

كنت بعيدا عن الدراجة كهواية، فقد استعملت الدراجة البسيطة مثل اغلب الناس كوسيلة تنقل في المرحلة الثانوية.

إذا كيف دخلت فكرة هواية الدراجة كهواية وسبب هذا التحول؟

المغامرة و حب التجديد من طبعي، في المرحلة الثانوية كنت أتردد على المعهد بواسطة دراجة عادية وذات يوم خامرتني فكرة القيام برحلة على الدراجة، اقترحت الفكرة على أصدقائي فأعجبتهم الفكرة ولكن لم نكن نملك المال لشراء الدراجات المناسبة فبقي حلم الطفولة مطمورا تحت الأرض، بعد حوالي 20 سنة زارني في عيادتي مريض (محمد الخشين – 48 سنة) وكان يشكو من آلام في الظهر، أثناء الحصص العلاجية، حدثني عن هوايته المتمثلة في الرحلة على الدراجة، اقترحت عليه أن يؤسس جمعية خاصة بهذه الهواية، فاستحسن هذه الفكرة واتصل ببعض الأشخاص وكونوا الجمعية وبعد ذلك انخرطت معهم.

ممارسة هواية ركوب الدراجة هل هي مكلفة ماليا للاسرة؟

هواية الدراجة تتطلب مصاريفا خاصة عندما يتعلق الأمر بدراجة السباق التي لا تقل عن 600 دينارا بالإضافة إلى قطع الغيار ، ممارسة هواية رحلة الدراجة أقل تكلفة من هواية سباق الدراجات لان ثمن الدراجة أقل، أما هواية استعمال الدراجة كوسيلة تنقل في الحياة اليومية فهي غير مكلفة بالمرة بل بالعكس توفر أجرة البنزين أو ثمن تذاكر وسائل النقل.

على ذكر نوعية الدراجة، أنت تكلمت مرة عن دراجة الرحلة، ما الفرق بينها وبين دراجة السباق والدراجة العادية؟

دراجة السباق هي الدراجة المعقوفة المقود، و هي تتميز بخفة وزنها، أما دراجة الرحلة فهي دراجة مريحة مصنوعة من مواد صلبة ولذلك فهي ثقيلة الوزن ويصل وزنها إلى 15 كغ،هي مصنوعة من مواد صلبة كي تتحمل ثقل الأمتعة التي يحتاجها الدراج الرحالة أثناء سفره، تتميز دراجة الرحلة ايضا باحتوائها على حامل أمتعة خلفي و أمامي كما تحتوي على أجهزة الإنارة.

كم يبلغ ثمن الدراجة التقريبي؟

حسب النوعية بالطبع يختلف المبلغ وعموما فالمبالغ تبدأ من 300 دينارا تونسيا.

ماذا اضافت لك هذه الهواية او ماذا حققت من خلالها؟
 على المستوى الشخصي، تمكنت من تحقيق حلم الطفولة، وهو حلم غالي و جميل و تحقيقه يعتبر إنجازا كبيرا و متميزا، ثانيا تعرفت على كثير من الاشخاص الرائعين الذين يشاركونني نفس الهواية من داخل تونس وخارجها وأصحاب هواية الرحلة على الدراجة أناس يتميزون بشخصية فريدة تجمع بين الشجاعة والإقدام والصبر والكرم وحب الناس والبساطة، وهي هواية رياضية، وتعرفون فائدة الرياضة على الجسم، أما على المستوى الحضاري والمدني فقد اصبحت مدينتي دوز بفضل هذا النشاط تسمى “مدينة الدراجة”، فقد اصبحت دوز معروفة و مشهورة بهذا الاختصاص على المستوى الوطني كما انتشر استعمال الدراجة في الحياة اليومية بها ولا يخفى على أحد فوائد استعمال الدراجة كوسيلة نقل سهلة وغير مكلفة.
حسب ما كنت اظن، في الجنوب عموما ليس لنا تقاليدا معروفة تخص الدراجة فهل تعبتم في تركيز الفكرة لدى الناس؟
صحيح أنه لا توجد تقاليد تخص رياضة ركوب الدراجة في الجنوب لكن علاقتنا بها متينة منذ الصغر، حيث كانت من وسائل الترفيه القليلة المتوفرة وبالتالي فإن تركيز الفكرة لم يكن صعبا حيث أنه بمجرد انطلاق أنشطة الجمعية توافد الكثيرون من الكبار والصغار.
ليكون الهواة على بينة، ما ميزة النشاط ضمن جمعية ؟
الجمعية هي الجماعة و يد الله مع الجماعة، الجمعية هي المجموعة و المجموعة قوة ،الجمعية هي العائلة و العائلة سند، الجمعية هي المؤسسة و المؤسسة برامج و تنظيم و تمويل، الجمعية هي الفريق، والفريق تدريب و تنظيم و تتويج.
لماذا لم تخرجوا من نطاق مدينة دوز لتشجعوا بقية المناطق على الانضمام والنسج على منوالكم؟
منذ 2016، انطلقت الجمعية في سلسة من التظاهرات المختلفة منها “دراجتي صحتي ونجاحي” وجولة بين قرى محافظتنا قبلي على الدراجة، كان الهدف الأساسي لهذه التظاهرات الخروج إلى مختلف مناطق المحافظة وإضفاء الحركية والتشجيع لممارسة ركوب الدراجة، خلال تظاهرة جولة ولاية قبلي، جبنا خلال ثلاثة ايام حوالي 15 قرية من قرى الجهة ونظمنا حوالي 10 سباقات بالمدارس الابتدائية.(انطلقت القافلة من دوز في اتجاه المساعيد وصولا إلى فطناسة و بشلي عبر البرغوثية والقطعاية ونقة وتنبيب وبقية القرى ثم التعريج على البليدات والكليبية و نويل … وكل هذه اسماء قرى ريفية توجد بمحافظة قبلي – جنوب تونس)
كيف تمولون رحلاتكم وخصوصا الطويلة منها؟
تمويل الرحلات ذاتي بحت،حيث أننا نقوم بتقدير مصاريف الرحلة و يتم اقتسام المبلغ  الجملي على عدد المشاركين، الرحلة الاخيرة مثلا كلفت كل مشارك 150 دينارا تونسيا.
150 دينارا للفرد ليس مبلغا بسيطا للشاب الفقير حسب ما ارى او ما رايك؟
فعلا هذا صحيح، فهنالك من لم يشارك لعدم القدرة على توفير المبلغ للاسف.
لاحظت في احدى منشوراتكم كل ذكر لدراج يتبعه رقم يحدد كذا كذا كم، ماذا تقصدون بهذا العدد؟
الرقم يعني المسافة التي قطعها الدراج خلال الرحلات
لو تذكر لنا اهم رحلاتك خلال هذه الخمس سنوات؟
اهم الرحلات التي قامت بها الجمعية:
– 2013، رحلة دوز – بنزرت ذهابا وإيابا
– 2014، رحلة دوز – تونس العاصمة ثم رحلة دوز – الجزائر العاصمة
– 2015، رحلة الوطن القبلي ثم رحلة اروبا على الدراجة ثم رحلة قسنطينة
– 2016، رحلة الجزائر العاصمة ثم رحلة الجنوب الشرقي
– 2017، رحلة الجنوب الشرقي
– 2018 رحلة تونس – دوز
فرج مع ابطال الطريق
ضمن رحلة اروبا اكيد عبرت الكثير من الدول، لو تحدثنا باختصار عن ذلك؟
كانت الانطلاقة من مدينة ليون الفرنسية في اتجاه سويسرا ثم ألمانيا و كانت محطة الوصول هولندا
خلال رحلتكم الاخيرة حققتم سبقا لاول مرة في تونس، لو تحدثنا عنه ؟
في الواقع، السبق حققناه منذ السنة الفارطة خلال رحلة الجنوب الشرقي، ففي تلك الرحلة حققنا الرقم القياسي في عدد الدراجين والذين بلغ عددهم 24 منهم 18 دون سن 15 سنة وأصغرهم 9 سنوات فقط، الرحلة انطلقت من مدينة دوز في اتجاه جربة عبر مدنين و جرجيس و العودة كانت عبر قابس قبلي و امتدت على مسافة تقدر بـ 650 كم، هذه السنة اعدنا التجربة و رفعنا مستوى التحدي من حيث المسافة المقطوعة يوميا، فخلال رحلة السنة الفارطة لم تتجاوز المسافة المقطوعة يوميا 70 كم بينما تراوحت هذه السنة بين 80 و 150 كم يوميا، التحدي كان ايضا من خلال عدد الدراجين وأعمارهم، حيث أننا الجمعية الوحيدة التي تسير رحلات بهذا العدد من الدراجين و بمثل هذه الاعمار الصغيرة فقد تراوحت بين 11 و 15 سنة.
أغلب من قام بالرحلة الرائعة الاخيرة كانوا شبانا صغارا او اطفالا بصورة ادق، كيف جازفتم بهذه المسؤولية؟
صحيح أن الرحلة احتوت كثيرا من المجازفة ولكن ذلك يعود لروح المغامرة التي تتميز بها الجمعية، حيث يغلب على جل أنشطتها روح التحدي و المغامرة.
ما شعور هؤلاء عند تحقيق الهدف الرائع وهل غير من نظرتهم لحياتهم ككل؟
أن تقطع مسافة تونس – دوز على الدراجة في عمر 11 سنة أو 12 سنة فهذا ليس بالامر الهين والسهل وهو إنجاز عظيم حتما والنجاح في هذا الإنجاز ينعكس إيجابا عاى روح الشاب و على نظرته للحياة ككل و على طريقته في التعامل مع الصعوبات.
ذكرت لي مرة وبعجالة عن هدفك المقبل في القيام برحلة الحج على الدراجة وكذلك برحلة حول العالم ايضا، احكي لنا عن هذا الحلم الكبير؟
احلم و مجموعة من أفراد الجمعية في القيام بفريضة الحج على الدراجة وفي تقديرنا أنها ستكون رحلة ممتعة للغاية تجمع بين أداء فريضة مهمة و الاستمتاع بهواية ممتعة غير أن الظروف الأمنية في ليبيا تحول دون ذلك في الوقت الحالي للاسف، أما رحلة حول العالم فهي تعني زيارة القارات الخمس وهي رحلة تتطلب سنة كاملة على الاقل لانجازها، وجولة حول العالم على الدراجة هي حلم كل دراج رحالة و هي تتويج يساوي الفوز ببطولة العالم في كرة القدم أو ربما أكثر وهي رحلة تتطلب الكثير من المال وتتطلب ايضا عزيمة فولاذية و صبرا و شجاعة كبيرة، هي حلم جدي بالنسبة لي وارجو ان يتحقق في يوم من الايام ان شاء الله.
هل يمكن للعربي تحقيق هذا في ظل عدم وجود جمعيات قوية تدعم ماليا مثل هذه الرحلات؟
الجمعيات مازالت فكرة ناشئة في الوطن العربي وتقاليدنا في العمل الجمعياتي ليست مترسخة بعد و بالتالي فإن المشاريع الطموحة تجد صعوبة في الدعم و المساندة ووجود جمعيات واعية و داعمة يسهل حتما هذه البرامج و الأحلام الطموحة، لكن هذا لا يمنعنا من المحاولة لتحقيق أهدافنا واحلامنا، ونحن عازمون على المضي قدما لتحقيقها رغم نقص الدعم.
هل نطمح لنشاهد موقعك الخاص على الشبكة محتويا على كل مغامراتك؟
لما لا، طرحك للسؤال أطلق الشرارة، متابعتك لرحلتنا الأخيرة وملاحظاتك واقتراحاتك المتميزة جدا حركت الكثير من الأفكار، انت الوحيد منذ انطلاق رحلتنا الذي وجدت في متابعته لها إضافة، ربما نتعاون معك في برنامج موقع.
رايك في شبكة العبقري الصغير؟
موقع العبقري الصغير مشروع متميز، هو عبارة عن حديقة مليئة بالزهور في صحراء قاحلة، كل التشجيع
كلمة اخيرة
في الأخير كل الشكر على المتابعة الراقية، كل الشكر على هذا الحوار، أهنئك على تميز أفكارك و ذكائك في الطرح واعتذر عن الإيجاز في الإجابة.
 *******
رابط حساب الاستاذ فرج بنمحمد على موقع الفايس بوك
رابط جمعية فجر الصحراء للدراجات العادية بدوز
تعليق واحد
  1. Souhaib behi يقول

    إنشاء الله ديما مبدعين

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.