رحاب قويد … حوار التحديات الرائعة

الحوار الذي سوف تطالعه الان يعتبر نوعيا بكل المقاييس، نوعيا باعتبار دخول صاحبته مغامرات لم نتعود بها كثيرا في منطقتنا العربية، فقد تجد رحالة رجالا جابوا العالم شرقا وغربا ولكن يندر أن تقوم بتلك المغامرات الشبيهة شابة عربية، حواري اليوم مع  رحاب قويد، شابة تونسية تعشق الترحال، مارست الترحال منذ صغرها داخل ارض الوطن عبر الرحلات المدرسية او تلك المقامة من طرف جمعيات شبابية ناشطة، عندما كبرت مارست التخييم كممارسة حياتية راقية وحاليا تقوم برحلة تجاوزت زمنيا سبعة أشهر ومازالت متواصلة لوقت غير محدد من طرفها، برمجت رحلتها تحت شعار “السفر للتعلم” وبدأتها من الفلبين ثم  ماليزيا ثم كوريا الجنوبية فاليابان فعودة مرة ثانية الى ماليزيا، وصفتها بالشجاعة وكلي اقتناع بهذا الوصف رغم رفضها له لتبريرات منطقية من ناحيتها ولكن عندما اجد فتاة تسافر وحيدة وتدخل تجاربا حياتية جديدة كليا وتعبر ادغالا كثيفة بل وتبيت فيها ليلا دون مرافق فوصف الشجاعة يصبح بسيطا جدا هنا، اجري هذا الحوار معها ليكون درسا لنا جميعا في أن طرق المجهول والخوف منه مبالغ فيه كثيرا من طرفنا، متابعة رائقة للحوار ارجوها لكم.

لو تقدمي نفسك باختصار للقراء، ماذا تقولين؟

رحاب قويد، 28 سنة، ولدت بمنزل تميم، والداي اصيلا ولاية زغوان، ترعرعت في أماكن عديدة وذلك ما جعل مني خليطا من شخصيات عدة.

أتممت الدراسة ام انقطعت لتتفرغي لغرامك هذا ؟

لا لم انقطع، درست في المعهد العالي للدراسات التكنولوجية برادس و تخرجت سنة 2014 بشهادة تقني سامي في الهندسة المدنية و عملت في هذا المجال لأربع سنوات متواصلة.

غرام بالترحال، كيف بدأ ومنذ متى وهل في العائلة من ادخل في دماغك هذا؟

منذ متى لا أعلم حقا، لا أتذكر سوى أني كنت أعشق الترحال منذ صغري و لا شيء يسعدني أكثر من الذهاب في رحلة منذ نعومة أضافري، ربما هي الفطرة، و لكن أفراد العائلة كانوا مختلفين تماما عني.

اختلاف العائلة ورفضها لما نقوم به له تأثير على اغلبية الناس، كيف استطعت الخروج من تاثير العائلة هذا؟

كنت أسير ضد التيار إلى أن تعودوا.

وبخصوص المجتمع والمحيطين بك، هل سببوا لك قلقا ما؟

لا، لأني لا أستمع كثيرا لآراء الناس الا الذين أثق بآرائهم و هم بدورهم كانوا مصدر الهام و تشجيع لي و ثقتهم جعلتني أكسب الثقة  أكثر بما أؤمن به.

اذا كخطوة مهمة، يجب الالتقاء بمحفزين او مشجعين او اناس لهم تجارب سابقة؟

من المستحسن ان يكون المرء محاطا بأناس يرفعون من مستوى وعيه و ادراكه للأشياء أو اعتزال البشر و قراءة الكتب، يصعب في عالمنا هذا و في بلدنا خاصة ايجاد محيط ايجابي بسهولة. هذه النصيحة ليست فقط للتشجيع على الترحال بل  لأي انسان طموح له رسالة و هدف يعيش لأجله.

أنت تطالعين الكتب بكثرة؟ من اكثر ما تقرئين لهم؟

لا ليس بكثرة، اتمنى لو كنت اطالع كثيرا، ليس لي كاتب مفضل، أحب الكتب الفلسفية التي تستفز القارئ و تطرح اسئلة دفينة لم يتجرأ الانسان على طرحها علنا.

وجدت لك منشورات خاصة بكتاب “فن اللامبالاة” وهذا شجعني لابدا قراءته وادهشني فعلا وانا مازلت في المقدمة، ما الذي شدك لهذا الكتاب تحديدا؟

آه كتاب رائع، واقعي، يقرأ ذواتنا و مشاكلها و تقلباتها بكل دقة، أعتبره مرآة حقا.

هنالك سؤال من المؤكد انه طرح عليك، انت فتاة محجبة، هل شكل هذا الامر عائقا امامك يوما؟ 

لا، طرح علي هذا السؤال قبلا و أظن أن من يطرحه يضع لنفسه حدودا و قيودا ذهنية لا أكثر، ممكن في بعض الدول ترى استغرابا و تعجبا لكوني فتاة خاصة في بلد ذو ثقافة و عادات مغايرة لما أعيشه، لكن قطعا لم أتعرض لمشكلة لأني محجبة بالعكس لم أجد غير الاحترام و المعاملة الحسنة بسبب هذا حتى من الناس ذوي المعتقدات الأخرى.

أصل الان معك لبداية تحدياتك، رحلاتك الطويلة والمنفردة واولها رحلة جربة على الدراجة الهوائية، كيف كانت؟

رحلة جربة كانت أول رحلة بالدراجة، تحدي صعب لاني لم أكن جاهزة بدنيا و ليس لي تجاربا سابقة مع الدراجة، اتذكر أني في فترة التدرب قطعت فقط مسافة 17كم من سوسة الى المنستير و لم أستطع العودة في نفس اليوم حيث قضيت الليلة في المطار و عدت في الصباح الى سوسة، كانت المشكلة مرتبطة بالدراجة، فقمت بتغييرها بأخرى أكثر حرفية للقيام برحلة جربة.

رحلة جربة غيرت نظرتك للناس ولمسألة الثقة في البشر

آه صحيح، من أروع التجارب هي الثقة في المجهول و الانسياب للقدر، لا نستطيع دائما أن نسيطر على مجرى الأمور، تارة تحدث أشياء سلبية لا نتوقعها، حينها، لو تركت المقود فستجد قوة أخرى تحتويك و تبعث لك أناسا طيبيين ليعلموك معنى الانسانية.

لاحظت فيك وفي كل الرحالة وفيهم من عبر فيتنام وبورما انعدام الخوف، من اين اتى ها الحال؟

من التجربة، ليس لدينا الكثير من الخيارات، اما المضي قدما او التراجع، المغامر يعيش حياته جاهزا و متقبلا لكل مخاطر المغامرة، لا توجد حياة بدون مخاطر و لكن ثمن الأحلام أحيانا يكون باهضا، الحذر أيضا واجب و لكن لا أخفي عليك أن الخطر في أذهاننا هو أكبر بكثير مما يبدو عليه في الحقيقة لذلك قلت لك أن التجربة هي ما تولد الثقة و انعدام الخوف.

أحيانا أتساءل هل تدربت على الرياضات الدفاعية لتكوني مغامرة بهذا الشكل؟

تدربت كاراتي أثناء دراستي الباكالوريا و عندما ذهبت لاول امتحان للحصول على الحزام الأبيض منعني أبي و قال لي هل تريدين أن تصبحي “جاكي شان” فانقطعت وأنا بطبعي لست محاربة وارى ان المعاملة مع الناس يجب ان تكون دائما سلمية.

هنالك سؤال يحير كل من يتابع اي رحالة: التمويل، هل يستطيع شاب او شابة عادية ومن اسرة متوسطة السفر؟

يستطيع أي انسان السفر مادام لديه امكانيات تسمح له بالعيش باستقلالية في وطنه، السفر احيانا اقل تكلفة من العيش في مكان واحد حيث تكون مضغوطا بدفع الفواتير و الديون التي لا تنتهي، عندما سافرت لاول مرة جمعت القليل من المال وانا اعلم مسبقا انه لن يكفيني لمدة طويلة و بطبعي لست من الاشخاص المبذرين و اعيش بمصاريف منخفضة جدا، حين انتهي المال حاولت استغلال امكانياتي لكسبه، تارة اعمل و تارة اصنع اشياء و ابيعها و الله كريم.

انا دائما انشر منشورات خاصة بتجارب عمل التطوع ويكفي وضع كلمة wwoofing أو workaway على محرك google للوصول الى كل التفاصيل الخاصة بمثل هذه التجارب وعلى من يود السفر القيام ببحثه الخاص ولا يقتصر على معلومات عامة أخذها من الآخرين.

اصل معك الان لاول مغامراتك الدولية وكانت على ما اذكر الفلبين؟ لماذا اخترت الفلبين تحديدا؟

الحقيقة أني فكرت في وجهات أخرى تستهويني مثل الصحراء الكبرى، افريقيا أو أمريكا اللاتينية، لكن لم أتجرأ على خوض أول تجربة بهذه الدرجة من الخطر و خاصة أني بدون أي مرافق فاخترت الفلبين لأنها معروفة بلطف شعبها و جمال طبيعتها و انخفاض المستوى المعيشي و خاصة أنها كانت بعيدة جدا عن تونس و هذا كان محفزا للاستمرار و عدم العودة بسرعة.

هل كانت رحلة الفلبين ناجحة؟ هل وجدتها كما قرات وسمعت عنها؟

نعم طبعا، لا يوجد رحلة غير ناجحة، كانت ثرية بلقاء أناس بسطاء يعيشون في مستوى متدني جدا و لكنهم درس في الانسانية والكرم، لا يعرفون الحسابات المادية، مبتسمين رغم تعبهم، منسجمين مع كل الجمال الطبيعي المحيط بهم ، قلوب مطمئنة فعلا لا تشكو ولا تشتكى.

كم مكثت في الفلبين؟

تقريبا شهر، كنت أود البقاء أكثر لكن الفيزا لم تسمح بالمزيد

كيف تدبرت امر المعيشة في الفلبين خصوصا وان المدة طويلة نوعا ما؟

الفلبين بلد منخفض المعيشة، ذهبت اولا الى اماكن مثل الفنادق لكن بتكلفة اقل تخص المسافرين “backpacker” ثم تعرفت على اناس من منطقة جبلية مكنوني من زيارة قرى معزولة، تعلمت هناك زراعة الأرز و ابتعدت عن ضوضاء الحضارة واستمتعت بالحياة الهادئة مع القرويين، لم يكن المال هو المشكل في البداية و لم افكر فيه اصلا لأني اتبع التيار و كان كل شيء رائعا ومشوقا.

 هل يعاني القرويون هناك مشاكلا كالتي عندنا، هل يسمعون بنا أم لهم عالمهم المغلق الخاص؟

الى حد الآن قليلون جدا من يعرفون تونس اين تقع، هناك لا يعرفون حتى الدول المجاورة لهم، معظمهم يعملون في الزراعة او يهاجرون للعمل في دول الخليج لسنوات متواصلة من اجل توفير حاجيات اطفالهم و لا يرونهم الا على شاشات الهاتف لمدة 5 سنوات على الاقل، ورغم صعوبة الحياة هناك بين اكتظاظ المدن و صخبها و بين الكوارث الطبيعية و الأعاصير كل سنة في الأرياف التي تحتوي الاراضي الزراعية، لا يشكو الشعب الفلبيني من مشاكل نفسية و لا تشعر انه يعاني من ضغوطات او مشاكل، و لم ارى ابدا شجارا او صوتا يعلو في طريق او في بيت، سلام و محبة بين الجميع. كنت أظن ان التوتر الذي نعاني منه في تونس شيء عادي و موجود في كل العالم في ظل ضغوطات الحياة و المسؤوليات و الظروف المادية الصعبة لكن اكتشفت منذ سفري لآسيا أن حتى “حشيشة رمضان” هي هلوسة تونسية بحتة.

هل اختلاف الدين معهم يشكل مشكلا؟؟؟؟

معظم الذين التقيت بهم في الفلبين مسيحيين، و كنت ارى كثيرا لوحاتا معلقة على جدران بيوتهم تحتوي كلاما من الانجيل، وجدت احيانا الانجيل نفسه في غرفة الفندق الذي اقمت به خلال الايام الاولى، ذهابهم للكنيسة يوم الأحد يعتبر مقدسا مثل ذهاب المسلمين للصلاة يوم الجمعة، كانت معاملتهم لي دائما مهذبة، الحقيقة أني رأيت من خلال لطفهم أنهم يؤمنون فعلا بذلك الكلام المعلق على جدرانهم، و هو كلام مثل كلام كل الديانات، يدعو للمحبة و السلام و مساعدة الآخر و الامتنان لله.

 بعد الفلبين كانت ماليزيا، لماذا اغلبية الرحالة يختارون هذا البلد؟ لماذا هذا الاجماع؟

انا لا اختار حسب الاجماع، اخترت ابخس معلوم تذكرة طيران من الفلبين فقط بحكم أني لا استطيع الخروج من الفلبين الا بطائرة، انا لا اختار البلد الذي اريد السفر اليه، اسافر وفق امكانياتي فقط. ماليزيا بلد لا يشترط الفيزا و يمكن البقاء فيه ثلاثة أشهر وانطلاقا من تونس هي أرخص طريقة و يعتبر مطار كوالالمبور بوابة لدخول آسيا وربما لهذا السبب كانت اول وجهة في آسيا للتونسيين. وفي ماليزيا مكثت شهرين.

يعني ممكن جدا للشاب متوسط الامكانيات السفر لماليزيا؟

جوابي هنا لن يكون دقيقا فلكل انسان طريقته في السفر مما يغير المصاريف التي يحتاجها والاماكن التي يود زيارتها، اذا كان من متتبعي المغامرة و التقشف في كل شيء فذلك ممكن جدا ولكن يوجد أناس لا يستمتعون الا بالمكوث في الفنادق و زيارة المنتجعات.

أنا أقصد طريقتك أنت تحديدا

اذا استطعت أنا فلماذا  لا يستطيع غيري؟

ماليزيا كبلد … كيف ترينها؟

بلد جميل، يجمع ثقافات و جنسيات مختلفة، يعيش فيها الهنود و الصينيون و الماليزيون بمختلف أديانهم و عاداتهم و حتى مأكولاتهم، الطقس فقط ما أزعجني في البداية لأني لست من أحباء الصيف و خاصة مع الرطوبة المرتفعة طوال أشهر السنة ولكن مع الوقت تعودت على التأقلم.

بعد ماليزيا عبرت رحاب كوريا الجنوبية ثم اليابان وعادت مرة اخرى لماليزيا ورحلتها مازالت متواصلة وهذه بعض صورها المدهشة من هناك

كوريا الجنوبية:

اليابان:

قناة رحاب على اليوتيوب ليست عادية ايضا، فهي لا تتبع النمط المعتاد لقنوات الرحالة، أغلب فيديوهاتها تمثل رحلة عميقة داخل النفس البشرية، تشدك بقوة لتطير في الافق الرحب معها … هذا مثال لما اقول

كان الحوار مع رحاب سيطول اكثر ولكن وصولها لمكان يجعل الاتصال صعبا حتم التوقف متمنيا لها التوفيق والنجاح في برنامجها فهي تعطي المثال الممتاز لفتاة راقية تفكيرا وممارسة وتعطي صورة ناصعة للانسان المحب للجميع المالك لقلب يسع سكان كل الارض بما رحبت.

************

صفحة رحاب قويد على الفايس بوك

قناة رحاب على اليوتيوب

حساب رحاب على الانسنغرام

 

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.