القصة الحقيقية والغريبة لفلم the terminal

اذا لم يسبق لك مشاهدة الفلم الرائع the terminal فأنصحك بمشاهدته، هو يتحدث عن رجل بقي حبيس المطار ولم يستطع العودة الى دولته التي اندلعت فيها الحرب ولا استطاع دخول الدولة التي يقصدها، الغريب في الفلم ليس قصته الغريبة ولكن الغريب فيها أنها قصة حقيقية وقعت وكان ضحيتها رجل ايراني اسمه  “مهران كريمي ناصري”، قضى 18 سنة في المطار حتى اصيب بالجنون، سافر مهران من بلجيكيا حيث يقيم متجهاً إلى إنجلترا وكان لزاما عليه أولاً الهبوط في مطار شارل ديغول في فرنسا ليستقل طائرة أخرى إلى وجهته الأخيرة لندن ولم يكن يخطر بباله أن رحلته من باريس إلى لندن التي تستغرق عادة ساعة واحدة ستطول لتبلغ 18 عاماً وسيكون حبيساً في مطار شارل ديغول في فرنسا طول تلك المدة ولم يكن يخطر بباله ايضا أن قصته ستتحول لفيلم عمت شهرته الآفاق.
ولد “ناصري” في إيران عام 1942 من أب إيراني وأم من أصول بريطانية، وحين وصل المرحلة الجامعية، قرر السفر لإكمال تعليمه في جامعة “برادفورد” في إنجلترا عام 1974، أثناء سنوات دراسته كانت إيران تشهد ظروفاً سياسية مضطربة وحكماً قمعياً من أجهزة الدولة في ظل حكم الشاه، شارك ناصري في مظاهرات احتجاجية تقوم بها الجالية الإيرانية و الطلاب الإيرانيون في إنجلترا ضد شاه إيران وكان يظن نفسه بعيدا عن الانظار، عندما عاد إلى إيران بعد 3 سنوات عام 1977 قبض عليه لأن عملاء إيرانيون في إنجلترا صوروه وهو يسير في احتجاج، سُجن لمدة 4 أشهر وبعد إطلاق سراحه قرر مغادرة إيران والسفر بحثاً عن وطن جديد، سافر ناصري إلى أروبا وطلب حق اللجوء من عديد الدول الأروبية ولكن تم رفض طلبه في كل مرة، اخيرا منحته بلجيكيا صفة لاجئ، بعد حصوله على صفة اللجوء ولمعرفته الكبيرة بانجلترا قرر السفر اليها سنة 1988، في رحلته إلى إنجلترا كان عليه الهبوط في فرنسا، وركوب طائرة ثانية متجهة إلى لندن لأنه لم تكن هناك رحلات مباشرة من بلجيكيا إلى لندن، اشترى ناصري التذاكر وانطلقت طائرته، سار كل شئ على احسن حال، بعد وصوله إلى مطار شارل ديغول الدولي في فرنسا استقل طائرة إلى مطار هيثرو في لندن، وفور هبوط الطائرة في مطار لندن بدأت محنته الجديدة، اكتشف أنه أضاع حقيبته التي تحتوي أوراقه الرسمية، قبضت عليه السلطات البريطانية وأعادته إلى باريس مرة أخرى، ولأنه لم يكن يملك أية أوراق رسمية تثبت هويته لم تسمح له السلطات الفرنسية بدخول أراضيها، ولم تقبل السلطات البلجيكية استقباله أيضاً للسبب نفسه، لم يتمكن الغرنسيون من إرسال ناصري إلى إيران أو بلجيكا أو إعادته لإنجلترا، ولم يكن لديه الأوراق اللازمة لدخول فرنسا.
استقر ناصري في صالة الانتظار رقم 1، وكان ينام على كراسي المطار، في البداية كان يبدو ببساطة واحداً من أولئك المسافرين الذين تأخرت طائرتهم، ولعدة أيام كان يطلب الطعام من المطاعم الداخلية، ساعده الموظفون اشفاقا عليه، كان “ناصري” يستحم في المجموعات الصحية، طالت الايام لتصبح أسابيعا ثم شهورا، قرر المحاولة مجددا للخروج وتمكن من جمع ثمن التذكرة من الركاب خلال وقت طويل وقصد عابرا الممر الذي يوصله بالطائرة  لكن قبض عليه وسُجن 6 أشهر، أُعيد مرة أخرى إلى صالة الانتظار، سمع محامي حقوق الإنسان الفرنسي “كريستيان بورجيه” قصته وقرر مساعدته لتحديد وضعه القانوني ومساعدته على السفر إلى لندن، بعد الترافع في المحاكم الفرنسية لمدة 4 سنوات قضت المحكمة أخيراً بأن “ناصري” دخل المطار بشكل قانوني كلاجئ ولا يمكن طرده منه لكن لم تتمكن من منحه تأشيرة مؤقتة أو منحه وضع لاجئ لأنها لا تملك الصلوحية لذلك كان المكان الوحيد الذي يُمكنه البقاء فيه هو مطار “شارل ديغول الدولي”، قرر المحامي بعد ذلك التوجه لبلجيكا، وبعد مراسلة السلطات هناك وبعد 7 سنوات من محاولة الحصول على أوراق ثبوتية جديدة كان رد السلطات البلجيكية أنها تستطيع إصدار الوثائق اللازمة التي تثبت هوية “ناصري” ووضعه القانوني لكن لن يتمكنوا من إرسالها بالبريد أو تسليمها للمحامي لأن هذه الوثائق مهمة للغاية وعلى “ناصري” القدوم واستلامها باليد والمفارقة أن السلطات البلجيكية في الوقت نفسه لن تسمح بدخوله دون أوراقه الثبوتية، بعد سنوات طويلة من الانتظار، استطاع المحامي في عام 1999 الحصول على أوراق ثبوتية مؤقتة من السلطات البلجيكية تُمكّن “ناصري” من الحصول على تصريح بالبقاء في فرنسا، والمثير للدهشة أنه بمجرد حصوله على الوثائق رفض استلامها لاعتقاده أنها مزورة وأنه بمجرد خروجه من باب المطار ستقوم الشرطة الفرنسية بقتله وقرر البقاء في المطار، في تلك المرحلة كان الاعتقاد جازما في ان الرجل فقد عقله كليا، والحقيقة ان اعصابه تلفت فعلا فقد اصبح لا يدرك من يكون ثم اقتنع انه سويدي واسمه “السير ألفريد”، رفض كليا اسمه الايراني ، قررت السلطات الفرنسية منحه أوراقاً للدخول إلى أراضيها بعد تدهور حالته لكنه رفضها أيضاً لأنها لم تكن تحتوي اسمه “السير الفريد”، كان خائفاً من مغادرة عالمه الضيق الذي يعيش فيه وكان الحصول على الأوراق صدمة كبيرة له، كانت قصة ناصري مصدر إلهام للفلم الشهير “The Terminal” عام 2004، للمخرج الشهير ستيفن سبيلبرغ، وبطولة توم هانكس
حصل “ناصري” على 300 ألف دولار مقابل حقوق تصوير قصته، ورغم ذلك كان لا يزال يعيش في المطار ولا يستطيع مغادرته، في 2006 وبعد 18 عاماً من بقائه هناك أصيب بوعكة صحية شديدة تم نقله إثرها إلى المستشفى خارج المطار، بعد بقائه عدة أشهر في المستشفى وتحسن حالته الصحية والعقلية غادر المستشفى أخيراً في 2007، سمحت له السلطات الفرنسية بالبقاء في فرنسا، ونُقل إلى مأوى للمشردين في باريس، رجع مدة الى المطار ثم انتقل ليعيش في نزل، في مراحل حياته الاخيرة عاد مجددا ليمكث بركنه بقاعة الانتظار حيث توفي بعد اسابيع قليلة من تلك العودة.

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.