اكتشاف الطلسم – ايران على الدراجة (11)

الطريق الى مدينة كاشان يعتبر طويلا وبه كثير من الحركة مما يعني الانتباه الكبير، المرافق تقتصر على ثلاث او اربع محطات بنزين اما بقية الطريق فلا يحتوي الا جبالا خاوية، توقفت مع العاشرة امام احد المتاجر للافطار وكنت قد سرت اربعين كيلومترا، أينما اذهب لا أجد الا حفاوة الاستقبال والكرم الكبير ودائما يقدمون لي الشاي والماء والطعام، طبخ الطعام وتوزيعه على المارة ظاهرة لاحظتها في ايران بكثرة.

توقفت أمام مسجد على جانب الطريق للاستراحة، ما شدني اليه وجود ساقية من الماء العذب البارد تشق ساحته ويقف المارة للصلاة او الاستراحة واضعين اقدامهم في هاته الساقية، فكرة جميلة في منطقة حارة وجافة، يؤم المسجد النساء والرجال على حد السواء وفي الساحة الخارجية له يمكن حتى تدخين النارجيلة، تدخينها دارج حتى للنساء وعلنا امام الناس، تلك من الحركات البسيطة وغيرها كثير غيرت الكثير من افكاري السابقة عن ايران وانغلاقها المزعوم

عندما انطلقت لم يعد يفصلني عن كاشان سوى 40 كم وعلي قطعها قبل حلول الظلام، وكان الامر كما خططت، في كل مدن ايران توجد حدائق ومناطق حضراء مهيأةً بطريقة جيدة وتستقبل الزوار للتنزه وتوفر للعائلات اماكنا للتخييم فثقافة “اللمة” العائلية موجودة ومتجذرة لدى الايرانيين فيأتون في سياراتهم ويفترشون الزرابي للغداء او العشاء او للتخييم وقد قال لي احد الايرانيين: “نحمد الله على نعمة الامن والامان في ايران”، عند اول حديقة اعترضتني توقفت، وجدت بها عائلات ايرانية مخيمة، نصبت خيمتي قربهم على امل زيارة بعض معالم المدينة في الغد.

جمعت امتعتي وحرصت على زيارة المدينة فهي تعتبر رابع مدينة من حيث وجود الاثار بعد اصفهان وشيراز ويزد، هي عريقة في التاريخ ورائدة في فن المعمار الايراني زيادة عن صناعة السجاد بالطريقة التقليدية، تصنعه النساء في بيوتهن مع توفره بالطريقة الالية في عدة مصانع بالمدينة، تجولت في ازقتها حيث لاحظت التشابه الكبير بينها وبين الجريد التونسي(او كما يلقب بالكوفة الصغرى)، عندما اتوقف لالتقاط الصور لا اجد الا الترحاب حتى من النساء، الشعب الايراني شعب مضياف وبشوش ويحب الزوار، كما تزخر المدينة بعدة مدارس قرآنية ومساجد وحسينيات ومراقدا دينية شيدت منذ عدة قرون.

في كل شارع يعرضون علي ما وجد لديهم حتى المرأة في الشارع تعرض علي خبزها

تنتشر في كل ركن مدارس القرآن الكريم وبشكل لافت للعيان

انتقلت وانا ادفع دراجتي الى “البازار” المركزي وهو عبارة عن عدة اسواق مترابطة، لكل مهنة او اختصاص سوقا مستقلا ومن اهمها سوق السجاد وسوق العطور وسوق الاعشاب الطبية فكاشان مشهورة بتقطير وزراعة الورد والاعشاب الطبية وصناعة المصوغ، كما تحتوي عدة نزل للقوافل حولت الان الى مقاهي ثقافية وورشات للرسم والنسيج وعدة حرف

صناعة النسيج التقليدية مشابهة كليا لنا بتونس

خلال تجولي كان الجميع يريد مساعدتي وارشادي ومنهم من ترك محله ليكون مرشدا لي لانه يتكلم العربية او الانقليزية. أردت أن تكون جولتي في كاشان بعد العصر في قلعة “جلالي” والتي تقع في اطراف المدينة، هذه القلعة ذات السور العالي والعريض والمبني بالتراب والحصى المدكوك انقذت اهالي كاشان قديما عديد المرات من الغزوات وعمليات النهب والابادةً، تمسح تقريبا هكتارين، بها صهريج تغطيه قبة عملاقة تستعمل للسقي وللشرب

يلاصق هذه القلعة حديقة عمومية تمسح خمسة هكتارات عامرة بالعائلات الايرانية وبها جميع المرافق فقررت التخييم بها، كالعادة قدمت الي بعض العائلات للتعرف علي وعلى الرحلة مع مدي بالغلال والمرطبات والشاي

اقترب مني شاب بزي شبه عسكري وعرفني بنفسه كونه من شرطة الحدائق ودعاني لنصب خيمتي بقرب مقر الحراسة وقال لي انهم يريدون توفير الراحة لي حيث يمكنني شحن هاتفي ومعداتي واستعمال المجموعة الصحية مع توفر الماء البارد، استجبت لطلبه لاجده قد احضر لي لمجة اشتراها من مطعم مجاور.
هذه صورة من جلوسي مع كبار الجهة

هذه عملية ترميم لاحد الفنادق الذي كان مقصدا لقوافل التجار في طريق الحرير.

التقطت هذه الصورة لهذا الرجل الذي يرافق ابنه الى المدرسة لتفنيد الصورة النمطية التي نتخيلها حول انغلاق الشعب الايراني

ثقافة التخييم منتشرة لدى الشعب الايراني وهذه الصورة من الحديقة تظهرذلك

معلومة مختصرة على الهامش
اليخجال أو اليخشال يشير إلى نوع من الثلاجات التي تم اعتمادها منذ 400 سنة في بلاد فارس، وهي مخازن لحفظ الطعام لفترة طويلة، يشير اليخجال إلى مبنى على شكل سطح دوراني تم تصميمه قبل الميلاد في بلاد فارس، الطبقات السميكة لجدران اليخجال تعزل بشكل جيد الحرارة الخارجية عن الداخلية، كانت الوظيفة الاساسية لليخال (أو حفرة الجليد) تبريد وحفظ الطعام قبل وقت طويل من ظهور الثلاجات وأي نوع من الأجهزة المتوفرة حاليًا، من خلال هذه التقنية، لم يعد المناخ الحار في الصحاري الشاسعة في إيران يمثل عقبة أمام إمكانية حفظ الطعام في القرن الرابع قبل الميلاد.

يتبع …
بقلم
سمير بن يعقوب دراج رحالة تونسي ، اضافة الى زيارة كل المناطق التونسية عبر كل الجزائر والمغرب والاردن ومصر وتركيا وإيران. ينشر كل نشاطه على صفحته بالفايس بوك.

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.