تركيا القريبة بالتاريخ البعيدة بالجغرافيا (18)

كانت الجبال مختلفة الالوان بشكل مذهل، والغطاء النباتي متنوع وكان الماء باردا وعذبا ونظيفا، اغتسلت وشربت حتى ارتويت،  المشاهد خلابة فعلا ومبهرة

استرحت فعلا امام جمال خلق الله في هذا المكان وحمدت الله ان مكنني من الوصول الى هذه المناطق والتحم بهذا الجمال الطبيعي المبهر. توقفت عند بائع العسل واعجبني فيهم عموما بيعهم للعسل مع شهده لابعاد اي شك في الغش، ثمن الكغ الواحد في حدود 130 ليرة تركية اي ما يعادل 25 دينارا تونسيا.

تنتشر ايضا عيون كثيرة وينتشر باعة الغلال من تين وعنب وخوخ وهنالك عدة استراحات للمسافرين، عند الظهيرة توقفت عند عم الحسن، بائع غلال،  رحب بي وقدم لي الشاي والتين والخبز وجبن الماعز بكمية كبيرة تزيد عن حاجتي وكان مصحوبا بابنه الحسن، اصل الرجل كما اخبرني من اكراد ارمينيا.

كانت الحافلات تتوقف قربه مع سيارات اخرى ويشتري راكبوها كميات هامة من الغلال فقد كان عم الحسن معروفا بدماثة اخلاقه، استلقيت على “كنبة” بالمحل بعد طلب منه لاستريح واذا به يوقظني لان هنالك من يريد الكلام معي فاكتشفت انهما الفتاتان الفرنسية والالمانية اللتان قابلتهما سابقا امام بحيرة الاسماك في شان لوفى، قضيت معهما جلسة ممتعة حيث شربنا الشاي وتحدث كل منا عن طرائفه ومشاريعه ثم ودعتهما لتنطلقا نحو مدينة van .

استانفت السير ووجدت أغلب الطريق منحدرات مما أراحني كثيرا في السير، يحتوي الطريق عدة نقاط عسكرية للتفتيش، ومنها على الهضاب وعند المنعرجات للمراقبة، هنالك حضور امني وعسكري لافت، عند مدخل تطوان Tatvan انتصبت بوابة كبيرة مجهزة بجهاز مفراس لكشف ما بداخل السيارات، وصلت تطوان قبل المغرب.

هدفي كان البحث عن مكان ابيت فيه ويكون قريبا من البحيرة للتمتع بجمالها فانا أمام اكبر بحيرة في تركيا اذ تمسح قرابة 3700 كم مربعا و يصل عمقها في الوسط الى 170 مترا و بها عدة جزر صغيرة متناثرة.

اقتنيت عشائي المكون من خبز وغلال وجبن، ارشدوني الى منتزه بجانب البحيرة يمكن التخييم داخله وهو عبارة عن “كورنيش” به عدة فضاءات عائلية وباعة متجولون ومساحات خضراء مجهزة بمقاعد، نصبت خيمتي وسط استغراب المارة وبعض الفضوليين واسئلتهم الكثيرة عن رحلتي وعن صغر خيمتي، ابدى الكثيرون رغبتهم في مساعدتي، اعلموني أن المدينة آمنة ولا خوف بالمبيت داخلها، تنتشر ايضا عديد المقاهي تنطلق منها انواع من الموسيقى الكردية الشعبية، بقيت الحركة كبيرة حتى نمت بعد منتصف الليل.

جمعت خيمتي في يومي الثامن والثلاثين من رحلتي وتوجهت الى الميناء اين تبحر السفن نحو VAN ، علمت ان عبارة تنطلق بعد يومين ومعلوم نقلي 200 ليرة وهي عبارة ضخمة تستعمل لنقل قاطرات القطار الى الضفة الاخرى من البحيرة

وهذه من الداخل

يومين اضافيين في المدينة خيار لم يعجبني فعدلت عن رحلة الباخرة، بحثت عن بنك او محل لصرف العملة ولكن كان يوم سبت وكل البنوك مغلقة، مع العاشرة والنصف قررت الانطلاق بدراجتي نحو van عبر طريق جبلي صعب اذ ان البحيرة محاطة بجبال تصب مياهها كلها فيها، القيت آخر نظرة على البحيرة وواصلت، الطريق مؤنس وبه عدة قرى والاشجار ترافقني دائما مما يوفر الظل مع وجود محطات بنزين للتزود بالماء والمؤونة وعند كل استراحة قصيرة يمدني الاهالي بما تيسر

بين الظهر والعصر قضيت قيلولتي في ظل اشجار مزرع اعترضني، بعدها واصلت طريقي حتى بلغت مشارف مدينة hasbey حيث استدعاني احد الفلاحين ودعاني لشرب الشاي وبعدها قدم لي الغداء ثم تجمهرت كل العائلة حولي لاعرفهم بنفسي وسبب وجودي هنا وغاية رحلتي

لما علم أنني ساواصل طريقي نحو van و انه قد يداهمني الليل في الطريق دعاني للمبيت في منزله واكمال طريقي من الغد لان ما بقي من الطريق صعب وقراه متباعدة، كما اقترح علي امتطاء الحافلة التي ستمر خلال ساعة ونصف امام بيته فقبلت وزاد بأن هاتف السائق وتاكد من مرورها وان بها اماكن شاغرة، في الاثناء قمنا بجولة في مزرعته فاخذ يقطف لي الخيار و الطماطم و الجوز وطلب مني اخذها كما شبعت بالجوز الاخضر المقشر

قدمت الحافلة عند الساعة الخامسة مساءا، وضعت دراجتي في صندوق الامتعة وودعت العائلة مشكورا ومن شدة التعب خلدت سريعا الى النوم، من خدمات الحافلات تقديم القهوة والعصير للركاب مجانا.
وصلنا مدينة van مع الساعة السادسة والربع وكالعادة بحثت اولا عن مكان مبيتي فقصدت محطة بنزين رحب بي اصحابها ببشاشة، الطقس أصبح باردا بعد غروب الشمس فاضطررت للباس الشتوي، قد ابقى في المدينة يوما اضافيا انتظارا لفتح البنوك وصرف العملة وزيادة في مدة راحة بعد تعب 2421 كم من ركوب الدراجة.
تعتبر van اخر اهم مدينة في طريقي نحو الحدود، انه يوم احد وكل البنوك مغلقة، الليرات التركية التي بحوزتي بالكاد تكفي للاكل، لا احد يقبل التعامل باليورو هنا، لا المطاعم ولا المساحات الكبرى، امر غريب وعجيب في بلد يعتبر بلدا سياحيا، يوم للراحة قضيت أغلبه نائما في خيمتي اذ اصبت باسهال منذ يوم امس وقد يكون ذلك نتيجة اكل الغلال مباشرة دون غسلها وهذا الاسهال أثر في لدرجة عجزي عن مواصلة الرحلة، تناولت الدواء الخاص والذي يصحبني في كل رحلاتي والحمد لله كان مفعوله جيدا وشفيت سريعا، قمت أيضا بصيانة خفيفة للدراجة. اطلعت على اسعار المواد الغذائية الاساسية فوجدتها باهضة مقارنة بتونس رغم ان تركيا تمثل قوة اقتصادية منتجة لهذه المواد، مثلا سعر الارز الابيض والسميد يعادل 3.700 دينارات تونسية، علبة الحليب ثمنها 3.400 د والطماطم بـ 6 دينارات رغم ان تركيا من اكبر منتجيها، سعر المعقرونة يعادل 1.400 د رغم انها ليست ضمن العادات الغذائة للاتراك، اعجبتني طريقتهم في عرض المنتجات

سيارات الاجرة وحافلات النقل داخل المدن والتي تشتغل بالغاز مريحة ايضا، اثار عجبي وذهلت من حالة الشبكة الكهربائية والانارة العمومية في كامل تركيا، كنت اظن ان الشبكة لدينا في تونس تعيسة جدا ولكن عندما شاهدت نظيرتها التركية وجدتها متطورة جدا، تركيا قوة اقتصادية عملاقة ولكن الشبكة هنا متخلفة لابعد الحدود ولا اعرف لماذا، تماما مثل مسالة انعدام اماكن صرف العملة رغم ان البلد بلد سياحي معتبر، في الاثناء قمت بالاتصال عبر الواتساب بالسفارة الايرانية بتونس للاستفسار حول امكانية العبور عبر معبر ” مرز رازي ” و الذي يبعد عن van حوالي 100 كم حتى لا اجبر واتوجه شمالا للدخول عبر معبر”بازركان” و الذي يبعد 200 كم.
انا في انتظار الرد واذا تاخر ساتجه شمالا للدخول من معبر بازركان فلا مجال للمخاطرة و“ألف خطوة ولا تنقيزة” كما يقول مثلنا الشعبي.

تركيا وايران يلتقيان في ربط حدودي يقارب 500 كم

يتبع …
بقلم
سمير بن يعقوب
دراج رحالة تونسي ، اضافة الى زيارة كل المناطق التونسية عبر كل الجزائر والمغرب والاردن ومصر وتركيا وإيران.
ينشر كل نشاطه على صفحته بالفايس بوك.

كل اجزاء رحلة تركيا:
1  –  2  –  3  –  4  –  5  –  6  –  7  –  8  –  9  –  10  –  11  –  12  –  13  –  14  –  15  –  16  –  17  –  18  –  19  –  20

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.