ماذا قدمت الى هذا العالم (5)

ذات مرة، قررت أن أساهم في تكوين مكتبة بقريتنا الصغيرة، وجدت المساعدة من صديقين تشجعا لدعم المبادرة، أذكر أننا التزمنا بالتبرع شهريا بمبلغ 10 دينارات وبهذا المبلغ نقتني الكتب والمجلات، كنت انا المسؤول على فتح المكتبة وشراء الكتب ومسؤولية المداخيل والمصاريف في كراس خاص مع كراس خاص بالمشتركين وتحيين دوري لعناوين المكتبة، بعد بعض الوقت تدخل الكثير من الاهالي لدعم المكتبة ماديا.

العمل في المكتبة كان بسيطا جدا، كل مشترك يستعير عددا من الكتب يوم الاحد خلال ساعة ويوم الاحد القادم يرجع الكتب المستعارة ويأخذ غيرها، استعارة الكتاب تكون بمبلغ يساوي 50 مليما كسعر رمزي يعادل قطعة حلوى صغيرة، بدات المكتبة بست عناوين اشتريناها بالمراسلة وساعدتنا مندوبية الثقافة بالجهة بعناوين عدة، في البداية خططت لتهتم المكتبة بثلاث محاور أساسية: كتب و مجلات الاطفال، الإعلامية والانترنت، كتب الأسرة الخاصة بتربية الاطفال، دفعنا كثيرا للحصول على كتب تربوية نوعية وممتازة وباتت المكتبة تحتوي كما كبيرا مما تحتاجه كل اسرة، مع الوقت اكتشفت حقيقة قاسية وهي أن الاباء والامهات لا يقرؤون وأن الشباب مثلهم أو أشد هروبا من الكتب وبقيت كتب الاعلامية وكتب الاسرة مهملة ولم يطالعها أحد، كان كل رواد المكتبة أطفالا ويطالعون بشغف وبسعادة الاحظها مساء كل أحد، كنت أضيف أسبوعيا عناوينا جديدة مع كل ما يصل  ولايتنا من مجلات كالعربي الصغير و ماجد و science & vie junior و science & vie découverte وتطور عدد الكتب ليفوق 600 كتاب وأكثر من ألف عنوان، دام النشاط بالمكتبة مدة طويلة حتى  2011 حيث كانت احداث الثورة بتونس، وذات ليلة وصلت يد التخريب لتحرق المكتبة بكل ما احتوت وارتفعت السنة اللهب لتسقط  جزءا من السطح فوق بقايا العلوم المحترقة، كان احتراق المكتبة من الأحداث التي اثرت علي كثيرا، فقد كنا في قرية صغيرة ولم أظن أن تصل يد الجهل لتحرق مجهودا خيريا لا يضر احدا، حاليا آسف على الفاعل عند تخيل وقوفه امام رب العباد ليسأله عن عين علم جارية احرقها في ليلة ظلماء مظلمة والناس نائمون، كان جاهلا وبيدقا أمروه فنفذ دون أن يدرك قيمة ما دمر وبقيت نسخا من كتب المكتبة لدى بعض المشتركين عسى ان ينتفعوا بها مع غيرهم ممن يمكن ان تصلهم يوما، كانت تجربة مكتبة تطوعية في بيئة ريفية تجربة رغم توقفها تحتوي دروسا هامة لمن يحاول أن ينسج على منوالها، وأذكر أني مرة قابلت مجموعة شبابية مصرية تريد تكوين مكتبة للعموم فقدمت لهم زبدة تجربتنا لتكون عونا لهم في ما يريدون القيام به.

ماذا قدمنا للعالم هنا، عشرات العناوين التي قرئت ومجلات علمية مميزة ما كان لها أن تصل لقريتنا ولا أن يسمع بها أطفالنا مجرد السمع، كانت تجربة مميزة عاشها اطفال القرية وانتفع بها الكثيرون ممن مازال يذكرها الى الان، وكانت تجربة تطوعية ذات بعد خيري راق .

*****

سلسلة ماذا قدمت لهذا العالم؟

1 – ماذا قدمت الى هذا العالم ؟ – مقدمة

2 – ماذا قدمت الى هذا العالم ؟  (2)

3 – ماذا قدمت الى هذا العالم ؟ (3)

4 – ماذا قدمت الى هذا العالم ؟ (4)

5 – ماذا قدمت الى هذا العالم ؟ (5)

6 – ماذا قدمت الى هذا العالم ؟ (6)

يتبع

 

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.