تربية الماعز الحلوب : دورة تعليمية شاملة (2)

بدايتي في التدوين الخاص بتربية الماعز الحلوب:

المنطلق لبداية التفكير في هذا الامر كان  مسابقة طريفة للاستاذ شبايك، دفعا لركود متأصل للأسف، المسابقة بسيطة وتتطلب جدية لا بأس بها لتدخلها،المسابقة تتلخص في أن يحدد المشترك كتابين من أمازون، ويتحدث عن مدى الحاجة إليهما والمنفعة المرجوة منهما  وإذا فزت يشتري لك الاستاذ شبايك الكتابين ثم تقوم في مرحلة ثانية بتلخيصهما ونشر ذلك للعموم من أجل المنفعة العامة مع إهداء الكتابين لغيرك لتعم الاستفادة.
الفكرة أعجبتني جدا جدا وقررت المشاركة فيها إحتراما لباعثها أولا ولمزيد إنجاح المبادرة ثانيا وللتعلم ثالثا لو كسبت طبعا.، كان إختياري على الكتابين التاليين:

والأكيد أن الكثيرين وقتها تفاجأ باختياري هذا، وقد يكون شبايك من ضمنهم، فحيثما تحول نظرك سوف تجد قطعان الماعز أمامك وعلى طول رقعة الارض الممتدة من المحيط الى الخليج مما يجعل الامر لا يستحق إضاعة المال والوقت في ما لا ينفع، وهذا بالضبط تقريبا حال قطاع اقتصادي رائع لا نعرف عنه سوى بديهيات هي خاطئة أصلا، طيلة سنوات و أنا أجوب الانترنت العربي ولم أجد شيئا عمليا مفيدا حول تربية الماعز المنتج للحليب، مجرد كلام عام لا يقدم شيئا بل يؤخر أشواطا، كانت علاقتي بالماعز هواية بسيطة في البداية وتحولت لعشق غريب يربطني بهذا الحيوان، كانت قطعان الماعز في كل مكان في جهتي ولكن المردود المالي لهذه القطعان كان أصفارا تتبعها أصفار أخرى، كان اغلب المربين يربي المعزاة شتاء ليبيعها صيفا عند نقص الموارد المالية، وخمسين الصيف خير ألف مرة من مائة الربيع أو الشتاء، عن طريق الانترنت ربطت الصلة مع الكثير من مراكز تربية الماعز بفرنسا وتحصلت منهم على زاد معرفي هام يخص المجال مكنني من تكوين اسطبل صغير اعتبرته مخبرا عمليا، اردت شراء دراسات أكثر تطبيقية وعملية ولكن اصطدمت بعائق تحويل الاموال الى الخارج والاعتماد على الهياكل الرسمية الموجودة كان امرا غير ذي جدوى لافتقاد تلك المؤسسات لعناصر مختصة، وبالتالي فلم يكن أمامي الا منهج التجربة والخطأ وهذه المنهج يستدعي خسارة كبيرة يجب تحملها ضرورة وليس اختيارا، بدأت بخمس إناث عادية وهي الفصيلة المنتشرة لدينا بكثرة، مع اثنين من فصيلة alpine وهي اشهر معزاة اروبية منتجة للحليب مع ذكر من نفس الفصيلة، النتائج الاولية كانت ممتازة بولادة اولى حققت نسبة 80 في المائة توائم وفقدان واحدة من alpine عند الولادة، نسبة 80 في المائة لم ولن يصلها أي مربي ماعز في جهتي لأننا نعتمد طرقا غير علمية بتاتا، الامر ليس اعتباطيا وليس حظا أيضا، غذاء كذا وكذا متوازن يجب ان يعطي توأما وليس يمكن أن يعطي توأما ، بالطبع دون اهمال عنصر مباركة الله للمشروع فالله وضع سننا واضحة تسير كل الدنيا وفقها، اهتمامي ضمن تربية الماعز ليس لانتاج “الجدي” فقد اكتشفت ان آخر ما يفكر فيه مربي الماعز الأروبي هو هذا الجدي المسكين، الربح من تربية الماعز هو الحليب المنتج، وهذه لا يدركها 90 في المائة من مربينا العرب للأسف، معدل انتاج المعزاة الواحدة لــ alpine يجب ان تكون ضمن معدل يتراوح بين 3.5 لتر و 4 لتر ان لم يكن أكثر قليلا، وأنا وبالامكانيات البسيطة وصلت لهذا المعدل في الاسطبل التجريبي، بشكل أشمل معدل انتاج alpine يصل سنويا 850 لترا وقد يقارب المنتوج 1000 لتر في كثير من الاحيان، ويمكن احتساب المردود المالي الرائع لمشروع مدروس ومضبوط بدقة، كانت اثمان العلف ترتفع يوميا بسرعة الصاروخ، اذا يجب العمل على تعديل النظام الغذائي إذا اردت للتجربة ان تنجح، قلبت الصورة نهائيا وبشكل غير متعود عليه في جهتي، وكل ذلك اعتمادا على تجارب الاخوة الفرنسيين في ضبط الاحتياجات الضرورية للمعزاة المنتجة للحليب، وكل من يربي الاغنام أو يعرف من يربي قطيعا سوف يحس بالتعب الرهيب الذي يعانيه المربي في توفير غذاء القطيع من المادة العشبية اعتمادا على مجهوده الخاص في جمع هذه المادة العشبية من ارضه الفلاحية مما يجعله عبدا لهذا القطيع فكل ما يجمعه صباحا يؤكل مساء لتبدا الرحلة من جديد، كنت في بيئة صحراوية تعتمد فلاحيا على واحات النخيل، هذه الواحات توفر كميات كبيرة من “جريد” النخل المستعمل اساسا في تسييج الضيعة واكثره يضيع، قررت تحويل السعف، هذه المادة المهملة لغذاء تكميلي للماعز، وهي فعلا تصلح كغذاء صالح مائة في المائة ويطلق على نوعيته المعدلة “علف الفقراء”، صادف وقتها جلوسي مع صديق مهتم بالتغذية الحيوانية ويطمح لتركيز مصنع لتوفير علف الفقراء هذا، ودون التوسع اكثر في التفسير العلمي لهذا الغذاء استطيع القول ان التجربة نجحت مائة في المائة، وضغطت على التكلفة بنسبة ممتازة جدا، الشكل الجديد للتربية اعطى ثماره المتوقعة كما ذكرت سابقا في الحصول على 80 في المائة توائم مع ولادة ثانية في آخر الموسم ، وفي الوصول لانتاج يقترب من المعدل في انتاج الحليب، كانت البداية بسبع إناث و ذكر ليختم الموسم والاسطبل يحتوي 21 رأسا وذات مرة بعت 11 جديا بثمن يفوق ثمن اشتراء كل ماعز البداية، من الفصيلة الممتازة alpine بقيت واحدة كما ذكرت، هذه وفرت ثلاث اناث ممتازة (ضمن الجيل الاول) دخلت دورة الانتاج كذلك وهذا الجيل الاول حافظ على نفس معدل التوائم وأعطاني 5 مواليد جدد اكتشفت بعد يومين من الولادة ان فيهم اربع معاقين، كان ذلك نتيجة خطأ تطبيقي فظيع وجهلا بمنحى صحي كان لابد منه، كان الخطا التطبيقي خطورة تزاوج هذا الجيل من نفس الذكر الذي هو الاب له، وهذا القانون الالاهي الازلي يؤثر على البشر والماعز وكل حي، الجهل بالمنحى الصحي عرفته لاحقا في مسألة نقص مادة الكالسيوم بالحليب والتي تؤدي الى شلل نصفي للكثير من مواليد الحيوانات، وعرفت وقتها لماذا يصاب العشرات من مواليد الاغنام بهذا الشلل رغم ان قطرات بسيطة يوميا تعالج الامر كليا. كانت كمية حليب alpine كافية لمواليدها ولمواليد الصنف العادي بالاسطبل، فنسبة انتاجها لا تقارن بالبقية، مجرد المقارنة لا تجوز، ووصفها بالبقرة الصغيرة كان وجيها جدا، قمت بتجارب بسيطة ورائعة في تحويل الحليب الى جبن منزلي، لم تكن لدي اية معرفة مسبقة بهذا التحويل وفي جهتي عموما لا توجد تقاليد تخص هذا المجال، ما اصنعه كان بكميات بسيطة وبأدوات المطبخ العادية، ولكنها كمية كانت كافية لافطار صباحي مميز، ووفق منهج التجربة والخطأ كنت امارس تجاربي البسيطة في هذه الصناعة التحويلية، كانت أنواع الجبن بالعشرات واي تغيير في الطريقة يؤدي الى بروز نوع جديد، أعجبني مرة نوعا من الجبن وجدته معروضا في مغازة، فسألت البائع عنه، فابتسم بخبث وقال لي هل تشرب الخمر؟، عرفت بعدها ان هذا النوع لا يؤكل الا مرتبطا به، ذات مرة اردت ان اصنع جبنا مملحا، كالذي نشتريه ، قمت بزيادة الملح للحليب لأكتشف أن الصديوم يمنع المادة الدسمة للحليب من التخثر وأن التمليح يكون في آخر مرحلة وليس في أولها، عرفت بعد ذلك أن هنالك قوانينا صارمة تحكم التحويل، وان عالم الاجبان من اوسع واروع الانشطة على الاطلاق وانواعها لا تحصى ولا تعد ويمكن ابتكار انواع جديدة غير معروفة على الاطلاق، بل عرفت ان هنالك انواع تصنع في ظروف خاصة جدا وفي اماكن خاصة دون غيرها بل وهنالك انواع خاصة بنوع محدد من الماعز، من خلال هذه التجارب أيضا بت شبه متأكد من كذب كل مصانع الحليب علينا بخصوص نسبة الدسم في الحليب، فجملة “حليب نصف دسم” مجرد كذبة كبيرة للأسف، فهو في الاغلب (ولا اعمم هنا) ليس نصف دسم ولا عشر دسم ويمكن واحد على مائة دسم، فكرت في مستقبل مشروع الحليب هذا وتحويله لاسأل نفسي سؤالا منطقيا: لنفرض اني بعت الحليب بما ان الربح اساسا يتاتى منه، بماذا سيتغذى المواليد الجدد؟، وهو سؤال حيرني فعلا وقتها، كيف سيعيش كل مواليد الماعز اذا بعت حليب الامهات؟، عرفت اجابته من خلال سلسلة التبادل للمربي الفرنسي، الحليب يحول كله لجبن، الجبن هو المادة الدسمة لهذا الحليب، بعد استخراج الجبن تتبقى اكبر كمية التي ظننتها ماء، وهي ليست سوى ” pétit lait” او “الحليب الصغير”، هذه يضاف اليها كل المواد الضرورية لنمو سليم للصغار و تقدم كمادة اساسية للجديان حتى يكبروا، لا شيء يضيع، الكل يخدم الكل وفق سلسلة متعاونة لا تهدأ،وكمثال آخر لسلسلة التبادل، وجدت نوعا شهيرا من الجبن الفرنسي ميزته أنه يقدم ملفوفا في ورقة شجرة معينة لأنها تعطيه مذاقا خاصا ورائعا، ماذا حصل؟، نمت صناعة هذا الجبن مع نمو في غراسة هذا النوع من الاشجار مما ساهم في نمو المدخول المالي لصانع الجبن والفلاح الذي وجد في هذه الشجرة سوقا تسويقيا ممتازا، وعرفت من هذه السلاسل المترابطة لماذا الجبن غالي الثمن ولماذا يربح مربي الاغنام الاروبي الملايين ونحن نخسر الماشية والصحة وكل شيء، يمثل الاسطبل لديهم حجر الزاوية عكسنا نحن والذي يمثل ابسط مكون للتربية ككل، وعثرت مرة على مؤسسة فرنسية تبيع تصميما لاسطبل الابقار وآخر للماعز وعجزت عن شرائه لان ثمنه يفوق 200 دولارا،كان تصمميما يراعي كل نقطة تهم المعزاة ليكون انتاجك في قمته ونحن نكدس عشرات الماعز فوق بعضها ونطالبها بالانتاج الوفير.
*************
كل مواضيع الدورة
2 تعليقات
  1. عبدالعزيز يقول

    السلام عليكم….في المغرب يوجد تعاونيات لتربية الماعز لانتاج الحليب وتصنيع الجبن..لماذا لايتم الاستفادة من تجربتهم الرائدة

  2. مبارك يقول

    ما شاء الله عليك . وجزاك الله على هذا المجهود الكبير

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.