وصايا الفشل المر (2)

 التربية المغلوطة التي نمارسها والتي مورست علينا والتي لم تنتج سوى الخراب والفراغ وجعلت اغلبيتنا تعيش دون معرفة فعلية بالجواب عن السؤال : لماذا نعيش؟؟؟، فحياتنا في الاغلب هكذا، تسير كما تشاء الايام، ليس لنا دورا فيها الا السير بجانب المركبة، سارت شمالا سرنا معها شمالا، تحركت جنوبا نلتفت ونسايرها أيضا، الأمثال الشعبية حول العمل الجاد والثقة والتحدي والشجاعة وكل الصفات الرائعة تملأ ادمغتنا ولا نطبق منها شيئا لاننا ببساطة لم نتربى عليها، كل ايات القرآن الداعية للسير قدما نحو الافضل والرقي نحفظها ونحن اول من يسير عكسها لان بديهيات السير ضمنها نفتقدها، فلا أسرنا ولا مدارسنا ولا شوارعنا ولا نخبنا اسست للانسان الواعي والسعيد بما لديه بل خلقوا مسخا لا يهمه الا نفسه فقط دون ان يسعد هو نفسه بما امتلك.
حتى الاطفال في روضاتنا في الحقيقة هم بيادق تحرك وفق راي المنشطة، حرك يديك اليمنى الى فوق، در الى اليمين، ارفع رجلك اليسرى، وهكذا، هذا الاحظه خصوصا في الحفل الختامي للروضات وفي اغلب بلدي ويمكن في كل العالم العربي يتبعون نفس الاسلوب التلقيني الببغائي للصغار، وخلال اشهر يكون الهدف الاساسي والرئيسي تعليم الاطفال رقصة كذا او انشودة كذا ليكون الاستعراض رائعا ويفتح الاباء والامهات افواههم اعجابا بفلذات اكبادهم وهم يبدعون رقصات وحركات لو قضيت نفس الوقت اعلمها لقطيع الماعز الصغير لدي في الاسطبل لكانوا رائعين مثلهم ولربحت اكبر جائزة في تعليم الحيوان، ادخلت بعض الروضات تعليم الموسيقى في نشاطها لاكتشف ان المدرس جعلهم ببغاوات تعيد ما تسمع بنظام وقوف او جلوس محدد وكاننا في ثكنة عسكرية، هو يدندن وهم يعيدون بعده ما ينطقه، كان تعليما ابلها وغير ذي معنى ومجرد كذبة كبيرة نصدقها في ان اولادنا يتعلمون الموسيقى، بعض الروضات ايضا وبعض النوادي ادخلوا برامج الحساب الذهني ليكون الطفل آلة حسابية نصفق لها كثيرا وهو يعرف النتيجة الصحيحة لــ 5240 ضارب 251 ناقص 10254، وماذا بعد؟؟؟ هذه الالة هل يمكن ان تضيف شيئا، وهل كل العلماء الذين غيروا وجه الارض وقلبوا تفكير البشر كانوا ببغاوات حفظ هكذا؟؟؟
طبقت الكثير من الافكار البسيطة وغير المكلفة كليا لتعليم اطفالي ونشرت كل ذلك امام الاسر التي تسعى لتطوير مهارات اطفالها ولكن اسرنا مازالت في واد آخر يتطلب وقتا ليدركوا أنه مسدود المنافذ، ساعدني الحظ في ان اكون متواجدا طيلة ثلاثة ايام بمهرجان العلوم بالمنستير في دورته الخامسة، لاكتشف اطفالا صغارا يبدعون بتشجيع من اولياء امورهم، قابلت طفلا صغيرا في التسع سنوات من عمره يبتكر اشياء جميلة وممتازة بدعم من والده

قابلت ايضا طفلا يحول كل الفضلات لابتكارات رائعة وتدعمه امه كليا وبشكل أخاذ

في نفس تلك الفترة كنت شاهدا على أب من قريتي لا يعرف ابنه في اي معهد يدرس وهو ليس اميا او جاهلا ولكنه متعلم ومازال شابا، أما معرفة التلميذ في اي قسم فذلك حاصل للاغلبية الساحقة من الاسر، بدانا نقلد غيرنا في ادخال اطفالنا للمدارس الخاصة، وقابلني صديق فرحا قائلا لي انه سيدخل ابنه في التحضيري ضمن مدرسة خاصة بمائة وعشرين دينارا شهريا دون بقية المصاريف من لمجة وتنقل وتكلفة النوادي الموازية، وهو في الحقيقة ومع غيره ايضا يعيشون وهما كبيرا جدا من خلال سماع عشرات المصطلحات الكبيرة والمبهمة .
دعوت مرة من خلال اعلان فايسبوكي الاسر في قريتي ليسجلوا اطفالهم في دورة لتعلم البرمجة من خلال منصة “السكراتش” وهي منصة شهيرة موجهة للاطفال يتعلمها الملايين عبر العالم، الغريب انه لم يسجل لدي احد بل لم يسالني ولا واحد عن هذا المصطلح الغريب، نحن في الحقيقة ننتج اطفالا دون ان نوفر لهم الحد الادنى من الرعاية والاهتمام ونحن نظن اننا نقتل انفسنا في سبيلهم، آمنت ومؤمن ومقتنع أنه بامكان كل أسرة مهما كان موقعها او ظروفها الاهتمام باطفالها من عمر سنتين الى حدود الست سنوات بشكل مبسط وغير مكلف ماليا وسوف تخلق منهم حتما عباقرة ونوابغا ينفعون هذه الامة بعقولهم ولكننا للاسف رمينا مهمة كهذه لتجار المال من خلال كثير من العناوين الأخاذة، تحتج اغلب الاسر بالوقت وبعدم القدرة على التعليم رغم ان المطلوب بعض المتابعة فقط لا غير ويمكن اجمل واعمق شاهد على كلامي قصة بنيامين كارسون الامريكي وهو من اغبى التلاميذ في فصله وأكثرهم بلاهة ، عندما قررت والدته تغييره نجحت في ذلك ليكون اشهر جراح اعصاب في امريكا وينافس ترامب حول رئاسة اقوى بلد في العالم، قبل ان تنطق وتقل ذلك في امريكا، أقول لك ان بنيامين ولد في اتعس حي في مدينته المليئة بالاجرام، ووالده هرب من البيت بعد ادمانه المخدرات، وولد في بيئة عنصرية رهيبة ضد السود، وأمه فقيرة معدمة بالكاد توفر له واخاه بعض القوت، وفوق ذلك امية لا تعرف القراءة او الكتابة كل ذلك تجمع لتنزع عنا اي حجة في عدم الامكانية في الاهتمام بابنائنا (لو اردت مشاهدة كل القصة اعلمك انها قدمت في فلم سينمائي بعنوان “ايادي ماهرة” وهو منشور على النت).
في هذه السلسلة وجهة نظر أب يرعى جملة من الاطفال ويعيش في بيئة ريفية خالية كليا من كل وسائل الدعم المادي او المعنوي للاسر في التعامل مع ابنائها، لست مختصا تربويا لالقي اليك عشرات التوصيات المختصة ولست مختصا في التنمية البشرية لالقنك ما يتطلب دورات كاملة، ما تقرأه هنا وما سوف تقرأه ملاحظات أب ينقل تجاربه التطبيقية بنجاحها وفشلها لتكون أرضية للاسر التي تنطلق من خلال نفس الظروف او تتشابه، وصايا الفشل المر هي جملة من القناعات التي خرجت بها بعد فشل جيلي والاجيال التي سبقتنا في نحت برامج واضحة قادرة على التغيير نحو الافضل، وصايا قابلة للتطوير والاضافة والحذف ايضا، وارضية الغد الافضل هي التي تجمعنا .
……………. يتبع
***************
وصايا الفشل المر … تدوينات أب في شكل وصايا لولده انطلاقا من فشل أجيال كاملة لغاية توضيح المسار من أجل حياة يتمنى ويرجو ان تكون اكثر سعادة ووضوحا ونجاحا.
اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.