كيف تؤلف قصة حياتك؟

لو كانت حياتك كتابا وأنت المؤلف، فكيف تكتب قصة كتابك هذا؟، قد يكون هذا أهم سؤال في حياتك كلها، وهو فعلا السؤال الأهم عبر سيرورة الحياة الطويلة، فكل حياتنا مرتبطة بالإجابة السليمة عن هذا السؤال، هذه التدوينة تمثل قصة واقعية في تحدي المستحيل الذي تسمع عنه وهي التدوينة التي قد تقلب حياتك كليا لو كنت على غير ما انتهت اليه.

“إيمي بيردي” او  Amy Purdy فتاة عادية ومن أسرة عادية، نشأت وترعرعت في صحراء لاس فيغاس الحارة، كانت تحلم بأن تعيش حرة وأن تجوب العالم، وأن تحيا في مكان يكثر فيه الثلج لانها تعشق التزلج، عند تخرجها من الجامعة مباشرة وبعد يوم واحد فقط انتقلت لتعمل في مكان تغطيه الثلوج كاخصائية تدليك، كانت سعيدة جدا بحريتها وعملها واعتمادها على نفسها، ولكن حدث ما قلب حياتها رأسا على عقب، فذات يوم خرجت من مكان العمل مبكرا لإحساسها ببعض الحمى، وخلال ساعات قليلة وجدت نفسها تحت الالات الطبية في غيبوبة تامة وبنسبة حياة لا تتجاوز 2 في المائة فقد اصيبت بالتهاب السحايا الجرثومي، خلال شهرين ونصف خسرت الطحال والكليتين والسمع في اذنها اليسرى وبترت ساقاها اسفل الركبتين، عند خروجها من المستشفى كانت حطاما مرميا في الفراش، أحست أن مآسي الدنيا كلها قد تجمعت في جسدها، ارادت تجربة الارجل الصناعية ولكنها شعرت بالام رهيبة تعصف بها فرمتها جانبا مع دموعها المنهمرة من عينيها وعيني امها، سألت نفسها مرارا وتكرارا: كيف ستعيش المغامرات التي تحلم بها مع هذا المعدن وهذا المطاط الذي يكبلها؟، كيف ستنفذ القصص التي تخيلتها منذ صغرها بهذه الخردة التي تئن فوقها؟، كيف ستتزحلق على الجليد كما تمنت سنينا؟، عاشت محبطة لشهور بعد ذلك، فقد احست بالفشل يغطيها كليا، أخيرا وبعد تفكير طويل، وصلت لقناعة أنها لتمضي قدما يجب ان تنسى ايمي القديمة وتحب وتعشق ايمي الجديدة، بدأت اكثر تقبلا لواقعها بل اقتنعت به واعتبرته نعمة ربانية انعم بها عليها المولى سبحانه وتعالى، بدأت تحكي حكايتها في شكل حديث يغلب عليه حس الطرافة والذي يضحك سامعيها، فقد اصبحت حرة في اتخاذ الطول الذي تحبذه، طويلا او قصيرا وفق رغبتها، واذا تزلجت فلن تحس بالبرد في اطرافها السفلية، والاهم من كل تلك المزايا انها تختار الرجل التي تلائم الحذاء الذي يعجبها وليس العكس, سألت نفسها أهم سؤال يهمها وهو سؤال يهمنا جميعا: إذا كانت الحياة كتابا، وأنا كنت المؤلف، كيف كنت اريد كتابة مجريات واحداث قصته؟، وبدأ حلمها ينمو مجددا، وتخيلت نفسها تمشي برشاقة، وتساعد الآخرين بكل ما تقدر، وتتزلج وفق ما تمنت، وبدأ فصل جديد من حياتها لتحقيق رغباتها هذه، رجعت للتزلج مجددا رغم بعض الفشل في البداية، فقد طارت رجلاها لاسفل الجبل وهي مازالت في قمته بعد ان صدمت كل من كان يتزلج امامها، وعرفت ان عليها اختيار الاقدام المناسبة لتحقيق هوايتها هذه، وتذكر انها تعلمت شيئا مهما جدا من فشلها هذا وهو يصلح ليكون درسا حياتيا رائعا فقد قالت أن العوائق امامنا بامكانها تحقيق شيئين لا ثالث لهما، إما ايقافنا في منتصف الطريق والفشل أو إجبارنا لنصبح مبدعين، بقيت سنة كاملة تبحث عن شكل الاقدام المناسب لها ولم تجد فقررت صنعها بنفسها، وتمكنت من صنعها وفق ما ارادت، وكانت تلك السيقان افضل هدية لها مع كلية تبرع بها لها والدها، عادت للتزلج وعادت للعمل وعادت للدراسة الجامعية.

في سنة 2005 أسست مع البعض مؤسسة غير ربحية للاطفال والشباب ذوي الاعاقة ليشاركوا في الانشطة الرياضية، وعبرها سافرت الى جنوب افريقيا حيث ساعدت الاف الاطفال للحصول على اقدام اصطناعية للذهاب الى المدرسة، تمكنت بعد ذلك من الفوز بكأس العالم والميدالية الذهبية في التزلج وعشرات الميداليات الاخرى.

كما الفت كتابا عن قصتها الرائعة

قالت أن فقدانها لساقيها لم يجعلها عاجزة ولكن جعلها اكثر ابداعا وتخيلا، فيمكننا عقليا القيام باي شيء ونصبح اي شيء نريده فقط علينا الايمان باحلامنا تلك ومواجهة مخاوفنا وجها لوجه، وانه بدل النظر الى العوائق والمشاكل كاشياء سلبية وجب النظر اليها كبركات وهدايا رائعة تمكننا من اشعال خبايا مخيلاتنا والمضي قدما وابعد مما نتصور .

على الهامش، تخيل معي العشرات ممن تعوزه ظروفه ليصطف امام مسجد او سوق للتسول، هنالك من لديه كل شيء وهو يجد الاعذار ليبرر الفشل الدائم الذي يصاحبه، هذه فقدت تقريبا كل شيء لتواصل ومع ذلك ابدعت لتكون شاهدا كبيرا على عجزنا وفشلنا وتبريراتنا التي لا تنتهي.

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.